يعترف المتخصصّون في قضايا التاريخ وحركته بأنّ إنتصار أي أمة هو رهن بمجموعة شروط أولها بقاء هذه الأمة على ثوابتها و خطهّا السياسي العام رغم تكالب الأعداء عليها لحرفها عن مسلكيتها السياسية ونقلها من دائرة إلى أخرى مناقضة كل المناقضة للأولى، وفي الحالة اللبنانية يمكن القول من دائرة المقاومة والصمود و إلى دائرة التطبيع والإنخراط في المعادلة الأمريكية و الإسرائيلية و هذا ما لم و لن يحدث في لبنان..
ويرى بعض المحسوبين على أبناء جلدتنا من المستغربين و المثيقفين ومثقفي المارينز أنّ إسرائيل قد تكون في موقع المنتصر بحكم ما ألحقته بلبنان من أضرار خطيرة في تفاصيل بنيته التحتية، علما أنّ المقاومة الإسلامية والتي صفعت الخدّ الإسرائيلي في حيفا وطبريا ونهاريا وصفد والعفولة وكريات شمونة هي الأخرى ألحقت أضرارا بالبنى التحتية العبرية ومع ذلك لا يقرّون بإنتصار المقاومة الإسلامية الرائدة لأنها تنطلق من خطّ سياسي لا ينسجمون معه، و لأنّ سادتهم في واشنطن وتل أبيب يطلقون شعارات لا تنسجم البتّة مع تطلعات شعوبنا المستضعفة..
و الواقع أنّ لبنان العملاق إنتصر في كل الجبهات السياسية و العسكرية و الأمنية، بل إنّ لبنان الذي يحلو للبعض أن يقول بأنّه عديم الدور في محيطه الجيوسياسي قد أصبح رائدا و عملاقا وقائدا ليس للشعوب العربية فحسب، بل يجب أن يتزعم الدول العربية من المحيط و إلى الخليج و يضخّ فيها بعض رجولته عسى أن تعود الحياة إلى المنتظم السياسي العربي..
و إنتصار لبنان على الصعيد السياسي و في المحافل الدولية يدلّ عليه رفضه الكامل لكل مشاريع التسوية التي أرادت أمريكا و الكيان الصهيوني فرضها عليه، و أعلن أنّه مستعد لإدامة الحرب ولا يساوم على مبادئه، بل إنّ الرسميين في لبنان طلبوا من وزيرة خارجية أمريكا كونداليزا رايس بعدم القدوم إلى لبنان، كما أسمعوا نائب وزير خارجية أمريكا دافيد وولش كلاما لا يرضيه ولا يرضي الإدارة الأمريكية، وقد سمح الأداء السياسي المتألق لكل من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة و رئيس البرلمان نبيه برّي بالتنسيق مع المقاومة الإسلامية في تحصين الجبهة الداخلية اللبنانية التي خرجت منتصرة حيث تأتى إنجاز مشروع أممي في ضوء هذا التوافق..
ولأول مرة في الراهن العربي تتمكن دولة عربية من مجابهة المشروع الأمريكي ndash; الإسرائيلي وبقوة، و قد عودنّا هذا الراهن العربي أن يؤمر الرسميون العرب من قبل واشنطن فيطيعون و بدون مناقشة أو حتى تقديم إشكالات بسيطة، لكن في الحالة اللبنانية و رغم فداحة الأضرار المادية فإنّ الدولة اللبنانية برئاسة العماد الشهم إميل لحود تقول بملء فيها لا للمشروع الأمريكي ndash; الإسرائيلي، لا لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تسيطر فيه الدولة العبرية على الشرق الأوسط والعالم العربي، لا للتطبيع، و فوق هذا وذاك لا لوأد المقاومة الإسلامية ورجالها الذين قال عنها الرئيس اللبناني في بداية الغارة الإسرائيلية الظالمة على لبنان في أواسط تموز الماضي أنها مقاومة دخلت التاريخ العربي كمحررة للبنان، فكيف يطوّق من حررّ بلاده من أكبر عدو ظالم هو الكيان الصهيوني.
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ اللبنانيين توحدّوا فيما بينهم و إلتحم الصليب بالهلال، وتشابكت يد المسيح بيد محمد عليهما الصلاة والسلام و قدمّ اللبنانيون أروع صورة وحدوية والتي يفترض أن تتحول إلى نوذج يحتذى به في كل القارات الخمس..
و هذه الرفعة السياسية و الشموخ السياسي لم يكن ليتحقق لولا قوة المقاومة الإسلامية بقيادة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فالمقاومة الإسلامية في لبنان إنتصرت فعليا بالمفهوم العسكري والأمني، فعسكريا تمكنت الفئة المؤمنة القليلة أن تلحق أكبر الأضرار بالجيش المحسوب الرابع عالميا، فدبابات الميركافا الأسطورة أصبحت أضحوكة ، و كلما كانت تدخل المستنقع اللبناني كانت تفّر محترقة لافظة أدخنتها وهي لا تلوي على شيئ، و للإشارة فإنّ الدولة العبرية و في كل حروبها مع العرب لم تفقد ما فقدته من دبابات وجنود وبوارج حربية في ظرف شهر، وغير هذه الخسائر المادية التي ألحقتها المقاومة الإسلامية بالمؤسسة العسكرية الصهيونية، فإنّ هذه الأخيرة لم تنجح لا في تفكيك حزب الله، و لا الإضرار بتركيبته البشرية و التسليحية، بل إنّ المقاومة الإسلامية إزدادت قوة و صلابة ليس في الجغرافيا اللبنانية فحسب، بل باتت نموذجا وقائدا و ملهما في العالم العربي و الإسلامي، وبالتأكيد فإنّ المقاومة الإسلامية ستكون أمام مهمة حضارية كبيرة بعد إنسحاب الصهاينة إلى ما وراء الخط الأزرق حيث سوف تصدّر هذه التجربة الفذة لأجيال لبنان والعالم العربي و الإسلامي لإكمال المشروع الحضاري ساعة تحين اللحظة التاريحية...
و في الوقت الذي إخترق فيه الجهاز الأمني لحزب الله إسرائيل كل إسرائيل، فإنّ الموساد والشين بيت عجزا رغم ما لهما من إمكانات مادية جبارة و ووسائل تقنية مهولة من إختراق حزب الله الذي أدّى المعركة بتألق و أداء رائعين..
ولا أحد ينكر بما في ذلك المحللون العسكريون في صحف معاريف وهآريتس و يديعوت أحرنوت بأنّ المقاومة الإسلامية خرمت إسرائيل وجيشها الأسطوري بريا حيث قتل أزيد من 150 عسكريّا إسرائيليّا، و أعطبت عشرات الدبابات من نوع الميركافا، و فجرّت ثلاث بوارج حربية، و التفوق الوحيد الذي سجلته إسرائيل هو في مجال سلاح الجو والذي قتلت به الأبرياء والمدنيين وهو ما سجلّ عليها لا لها، و الذين سيكملون درب المقاومة سيدرسون هذا الملف جيدا و يبدعون لنا صواريخ مضادة للطيران تتهاوى معه طائراتهم كما تهاوت بوارجهم و دباباتهم و رجالهم في جنوب الصمود والرجولة و الشرف و العنوان والنهج و المدرسة والجامعة....