بدأ جماعة من المثقفين المصريين تشكيل جماعة تحت عنوان: quot;مصريون ضد التمييز الدينيquot;، ولقد بدأت الجماعة تشكيلها تحت عنوان: quot;مسلمون ضد التمييز الدينيquot;، وكان من المستهدف أن تكون إعلاناً من المصريين المسلمين لرفضهم التمييز ضد إخوانهم الأقباط، حماية للوطن من الانشقاق ومن ثم تبديد طاقاته من جانب، ومن جانب آخر تبرئة لأنفسهم ولدينهم من القلة التي تمارس التمييز مدعية أنها تنطلق من أسس إيمانية إسلامية.
ولأسباب عديدة رأت تلك الجماعة توسيع نطاق عضويتها، عبر توسيع نطاق شعارها، ليكون: quot;مصريون ضد التمييز الدينيquot; بكل أشكاله، والصادر من أي طرف ضد طرف آخر داخل الوطن الواحد.
تبدو الفكرة بسيطة وواضحة، ومن الممكن أو المفترض أن تحوز على تأييد كل مخلص لوطنه وللإنسانية، بحيث من الصعب أن تجد مناقضاً لها، إلا من بين صفوف بؤر العنف، سواء الممارسين للعنف عملياً، أو المنظرين له والمحرضين عليه، وفعلاً بدلت جماعة عدم التمييز عنوانها وبيانها التأسيسي، وبدأت طلبات الانضمام تنهال عليها، من المثقفين المصريين بمختلف انتماءاتهم الدينية والسياسية، سواء من داخل مصر أو من خارجها.
ورغم وضوح الفكرة وبساطتها ndash;وربما بسبب ذلك الوضوح وتلك البساطة- بدأت الانشقاقات في تلك المجموعة الوليدة، والتي لم يجمعها حتى الآن غير موافقات انضمام إلكترونية على بيانها التأسيسي، لا يعنينا هنا الجدل المتبادل في التفاصيل والفرعيات، ولا المحاولات المستميتة الدءوبة للدردشة لمجرد الدردشة، لكننا نركز هنا على حدثي انشقاق خطيرين، نرى تماثلهما من حيث انبثاقهما من ذات الداء أو البلاء الذي تعاني منه مصر ومعها سائر بلاد المشرق، وهو بالتحديد ما تشكل محاولة تكوين تلك الجماعة تحدياً له، نقصد داء التعصب والانغلاق الفكري المفضي إلى تفشي الكراهية، تلك التي صارت هي الباعث الأول وربما الأخير لتوجهات ما نسميه الصفوة أو النخبة في شرقنا.
المشكلة الأولى سببها بعض الأقباط الذين انضموا إلى جماعة ضد التمييز الديني، لتحقيق مكاسب للأقباط من وجهة نظرهم، دون أن يتصفوا في سعيهم بالتسامح والسماحية forgiveness amp; tolerance، وهي الروح التي تتكفل سيادتها في شعب بالقضاء على جميع مظاهر التعصب والكراهية، لكن هذه النوعية ndash;محدودة العدد- من الأقباط تمارس سعيها للعدالة بروح المجابهة والعداء للآخر الذي تتشكى من تعصبه، ورغم أن هذه النوعية من الأقباط متواجدة بين الأقباط في أرض الوطن، إلا أنها غالباً لا تفصح عن نفسها بوضوح إلا في حالة هجرتها للخارج، هنا نجد منها المبالغات في تصوير تردي الأوضاع الطائفية في مصر، ونجد حكايات عن جرائم لا وجود لها إلا في خيالهم الخصب، ترتكب في حق الأقباط، حتى ليخال منصف يتابع كتاباتهم عبر الشبكة الإلكترونية أنهم لابد ويتحدثون عن مصر أخرى غير التي نعيش فيها، وعن ممارسات مسلمين آخرين غير الذين نعيش معهم وتربطنا بهم أواصر الود والمحبة، وتفرقنا عنهم القليل أو الكثير من الاختلافات والخلافات، التي تبثها الأفكار والميول العنصرية العدائية، تلك التي باتت تهدد الجميع والأقباط في مقدمتهم، لكن هذا كله محصور في
نطاق ما يمكن أن نطلق عيه quot;التمييز الدينيquot;، ومن الصعب ndash; إلا فيما ندر- أن يدخل في تصنيف quot;اضطهاد دينيquot;.
هذه النوعية من الناس تطالب الآخر بالمحبة، وهي لا تضمر له غير الكراهية، تطالب بالتسامح وهي شديدة التعصب، وهي بهذا لا يمكن أن تخدم القضية التي تسعى لكسبها، وبالتالي لا يؤدي انضمامها إلى جماعة مثل جماعة quot;مصريون ضد التمييز الدينيquot; إلا إلى استفزاز الشخصيات السوية المتسامحة بحق، سواء من المسلمين أو الأقباط، وبالتالي إجهاض العمل قبل نقطة البداية، وهنا تظهر إشكالية تثقل كاهل المجموعة والقائمين على إدارتها، إذ ماذا يفعلون حيال هؤلاء؟ هل يتركونهم يخربون الجماعة؟ أو يلجأون لأسلوب استئصالي، فيه يقيم البعض نفسه حكماً ومقيماً لأراء الآخرين، وهو الأمر الخطير المؤدي إلى الفاشية والهلاك المادي والأدبي، مهما كانت النوايا الأولية حسنة؟
لم تكد زوابع هذه المشكلة تهدأ، حتى ظهرت المشكلة الثانية، ومصدرها هذه المرة البعض ممن انضموا للجماعة بغية هدف نبيل، هو إزالة الاحتقان الطائفي بين أبناء الوطن الواحد، بالتحديد بين المسلمين والأقباط، لكن هذا البعض أيضاً يفتقد لروح التسامح الحقيقي، الذي لا يعرف التجزئة، فأنت لا يمكن أن تكون متسامحاً في موقف، ومتعصباً في موقف آخر، فالتسامح حالة نفسية وعقلية، كما هو نهج للتعامل مع الواقع، فهذا البعض المتعصب والكاره الذي نتحدث عنه، يرغب عقلياً أو حتى عاطفياً أن يكون متسامحاً مع أخوة الوطن، على أن يظل على نهجه المتعصب مع اليهود والإسرائيليين بالتحديد، وهذا بالطبع يتضمن تناقضاً غير قابل للتجاوز، لكن الأهم أن هؤلاء وجدوا أنفسهم ndash; دون أن يفطنوا- يمارسون التعصب مع أبناء وطنهم، ومع أبناء الجماعة التي انضموا إليها للتو، فعلى نهجهم الاستئصالي الأثير، بدءوا في الصراخ والولولة، مطالبين بأن يفصل من الجماعة من أسموهم quot;التطبيعيونquot; أو quot;أصدقاء العدو الصهيونيquot;، هو تمدد لنطاق الكراهية، من الآخر الإسرائيلي إلى أخ الوطنية المؤيد للسلام، وهذا منطقي تماماً، فعندما ينتهج الإنسان التعصب والكراهية،
فإنه يعجز عن السيطرة عليها، بل تقوده هي إلى حيث تظل نيرانها دائماً مشتعلة!!
بالطبع قضية إسرائيل مسألة سياسية خارجة عن نطاق ميثاق جماعة quot;مصريون ضد التمييز الدينيquot;، لكنه التعصب الذي خذل أصحابه، حين حاولوا ممارسة تسامح جزئي يختصون به أبناء وطنهم، فيما يمارسون التعصب والكراهية ضد دولة أخرى (إسرائيل) لن نستطيع حل مشاكلنا معها إلا عبر العقلانية وثقافة التسامح، فهذه الدولة التي يتحدثون عن عنصريتها، لن نستطيع حل مشاكلنا معها، وإطفاء أوار الحروب المشتعلة منذ أكثر من نصف قرن مضى، إلا إذا تحلينا بروح التسامح وثقافة السلام، وأشعرناها بقبولنا لها، وبأننا قررنا أن نعيش سوياً على هذه البقعة من الأرض في سلام، نسعى لتعميرها لما في خير أولادنا جميعاً، وأننا لا نريد أن نبيد الإسرائيليين، ولا أن نلقيهم في البحر، وأننا لا نريد التقرب إلى الله بسفك دمائهم!!
من السهل دائماً اتفاق الجميع على العموميات والمطلقات، لكن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، فمن السهل أن نتفق جميعاً على قيم العدالة والحرية والمساواة والتسامح . . . . . إلخ، لكن عند التطبيق العملي تظهر الميول والمواقف الحقيقية، فمن السهل جداً الادعاء بأنني من مناصري السلام ودعاته، لكن عند التطبيق العملي يجدني الناس من المطالبين بإزالة إسرائيل مثلاً من الوجود، وقد أُعلن تأييدي للمساواة بين الرجل والمرأة، لكنني أناهض التشريعات التي تضع هذه المساواة المزعومة موضع التنفيذ!
كيف نصدق أن المسيحي الأرثوذكسي يمكن أن يكون متسامحاً مع المسلمين، وهو يمارس التعصب ضد الكاثوليك والبروتستانت وجماعة شهود يهوة؟!
وكيف نصدق أن المسلم السني يمكن أن يكون متسامحاً مع المسيحيين، وهو يمارس التعصب ضد الشيعة والبهائيين واليهود؟!
ما عرضناه كمجرد نموذج، مشكلة سعى البعض لحلها بممارسة تسامح جزئي، وكانت النتيجة أن فشل الجزء والكل.
الآن
هل يوافق زملائي في جماعة quot;مصريون ضد التمييز الدينيquot;، على تعديل عنوان جماعتهم إلى عنوان ثالث هو: quot;مصريون ضد الكراهيةquot;؟!!

[email protected]