صار لنا مجلس للنواب وانتخب من بين أعضائه رئيساً للجمهورية صار قاسمنا المشترك، وتم ترشيح واحد منهم رئيساً للوزارة و تم عرض أسماء الوزراء على المجلس ونالوا الثقة. كما صار لنا دستور نتقيد ونلتزم به وستكون لنا محكمة دستورية ومحكمة عليا نتقيد بأحكامها ونلتزم بقراراتها وتفسيراتها ونحتكم اليها في اختلافاتنا وتفسيرنا لنصوص الدستور وصلاحيات الأقاليم والمحافظات..
وصار لنا رأي في حسابات ميزانيتنا التي سترسم لنا مستقبلنا الاقتصادي، وصار لنا رأي في أن نقبل أو نرفض دون أن يتم إعدام اهلنا وأن يتم عرض صورهم في التلفزيون باعتبارهم خونة وعملاء ويتم أعدامهم ودفنهم في مقابر مجهولة، لامليارات بعد اليوم لأبناء الرئيس ولا مطابع للنقد يستحوذ عليها أولاده، ولا امتيازات لعائلة الرئيس وجيرانه وحراسه، ولا درجات فوق الدستور والقانون.
وسيكون لنا علم يرمز لوحدة البلاد ويشير الى ألوان وأشكال لها علاقة بالعراق، ويجب أن يتضمن هذا العلم مايشير الى العرب والأكراد والتركمان والكلدان والآشوريين والارمن، فهو علم العراق وليس علم البعث، وهو علم جميع أهل العراق وليس علم الشوفينية والعنصرية، وسيكون لنا نشيداً وطنياً من المعيب جداً ان يكون بلغة واحدة ولقومية واحدة، ولنا في دول الفيدراليات أسوة حسنة.
سيكون لنا تأريخاً عراقياً لايمكن ان يتم النظر اليه بعين عوراء ينظر لطرف من التاريخ ويهمل الكثير من تاريخ اخوتنا من الكلدان والأشوريين والأرمن والتركمان والكورد أو العرب، تأريخ عراقي يكتب بأقلام ناصعة وأصيلة لم تستطع أن تطوعها السلطات الشوفينية والطائفية التي تعاقبت على حكم العراق، ولا بذرت فيها جراثيم شوفينيتها القاتلة، ولا انطلت عليها الأصباغ الترقيعية التي تتبرقع بها السلطات لأخفاء ترهلها وعيوبها ولا استطاعت ان تمرر عليها خبث مقاصدها وسوء أهدافها.
والعلم العراقي ليس رمزاً للسلطة الحاكمة ولامزاجاً يريده الحاكم، العلم العراقي مجرد رمز يشير الى تاريخ العراق بكل مكوناته، و أيضاً بكل أديانه وجغرافيته، ولا يمكن أن يتم اختزاله لقومية واحدة دون غيرها، ولا يمكن أن تكون الكتابات التي يراد بها الباطل مدونة فوقه، كما فعلها الطاغية صدام حين خط كلمة (الله أكبر) بخط يده، وهو الذي حارب كلمة الله أكبر بكل ما وسعت سلطاته الأمنية والمخابراتية من قوة.
فصدام نفسه الذي أمر بخط كتاب الله بدمه النجس والمحرم شرعاً، وأصر على تدنيس كتاب الله لغاية كامنة في روحه، وصدام نفسه الذي أمر أن يتم رفع كلمة (الله) من نص المادة 108 من قانون الأثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 مع علمه بأن اليمين بغير الله غير جائزة شرعاً وقانوناً، وصدام نفسه من أمر بقتل رجال الدين وكل من كان يعتقد أن الله أكبر في سلطة القهر والظلم، وصدام نفسه من كان يحارب المصلين لله من كل المذاهب.
وهو نفسه من وظف آيات القرآن الكريم في الجرائم الخسيسة التي أقترفها والتي أراد بها تلويث الدين والتستر بآياته الإنسانية والعميقة المعاني.
ولم يكن العلم العراقي سوى رمزاً من رموز الهيمنة الشوفينية، ورمزاً من رموز القهر والحرب التي شنتها السلطات على شعب كوردستان في العراق، وتحت هذا العلم ذبح المئات بل الآلاف من البشر، وصار رمزاً قسرياً لكل القوميات الباقية، ولم يكن العلم العراقي في العهد البائد سوى رمز لسلطة البعث وصدام، رمزاً للطاغية والفكر الشوفيني المتعصب ولهذا فقد كان العلم لايمثل شعب العراق بكل تأريخه وبكل مكوناته مطلقاً، فقد تم أختزال التاريخ العراقي في تاريخ البعث ورموزه الديماغوغية التي تتناقض مع الواقع، وفرض هذه الرمزية بأسم الوطن، ولهذا وجد العراقيين أنفسهم يطالبون بعلم لايشير الى الدماء التي سالت تحت رايته تحقيقاً لرغبة الحاكم، كما يشاهدون هذه الدماء وهي تلطخ العلم الذي يتحدى مشاعرهم ووجدانهم ويضحك متشفياً بشهداء العراق دون استثناء، ولا يريدون علماً كانت تصطف تحته مجاميع شباب العراق ليتم حصادهم بالرصاص من قبل جيش الطاغية، ولا يريدون علماً يستخدمه الحاكم برقعاً يمرر به جرائمه على شعب العراق حيث لم تسلم منه طائفة أو ديانة أو قومية ولا حتى الجيران العرب منهم او المسلمين.
نفس العلم الذي كان يرمز لصدام لم يزل يرف فوق بنايات العراق ومؤسسات العراق الجديد، وكما لم يزل العديد من المخدوعين بعبارات علم الوطن والرمز الأوحد يحرصون على بقاءه ورفعه مع أن صاحب هذا الرمز سقط الى الحضيض والى الأبد، فقد كان علماً مفروضاً ورمزاً مزوراً لتاريخنا ويشير بكل صلافة للحاكم المستبد الدكتاتور، فلم يتم أستشارة الشعب في أختياره ولا برلمانه ولامؤسساته السياسية أو الثقافية.
حرياً بالعراقيين اليوم أن يصروا على تغيير علم العراق بمايليق بالعراق الجديد بعد ان انتخبنا مجلساً للنواب نكلفه بالمهام التشريعية، وبما يمسح من ذاكرتنا بقع الدم والمعاني الخبيثة التي رسمها الحاكم البائد على ما أسماه ورسمه في تفاصيل العلم، وحرياً بالعراقيين بعد ان فوضوا أعضاء برلمانهم أن يتفقوا على شكل العلم وألألوان التي ترمز للسلطة الاتحادية الفيدرالية العراقية، وأن يكون علمنا بسيطاً بساطة أهل العراق، وبهيجاً مثل تعدد الطيف القومي والديني في العراق، منساباً كما ينساب الزاب ودجلة والفرات والكحلاء وشط العرب وأن يكون علماً نتمسك به جميعاً ولايشير الى قوة السلطات.
علمنا نابع من أرواحنا ومن معاناتنا، وعلمنا يرمز للعراق الجديد، يضم الوان كوردستان وأطياف الجنوب وبرتقال ديالى وطيبة الرمادي، وعلمنا يضم صفاء وطهارة الأيزيدية والمندائيين، وأصالة اليهود والمسيحيين، وعظمة الرسالة المحمدية.
وأن يكون نشيدنا الوطني معبراً عن طيبة المدن العراقية، ويجسد شكل التلاحم بين النخيل العراقي المذبوح وبين ربايا جبال كوردستان التي بقيت صامدة وتكسرت فوق صخورها قرون الدكتاتور، نشيداً تفوح منه روائح البرتقال وعبق القباب الذهبية والزرقاء للأئمة والأولياء، يشير الى ملوية سامراء وأهوار الناصرية وطعم الشلب العنبر في المشخاب وكرم الرمادي وطعم الفستق الموصلي، وبساطة السماوة وعبق العمارة ودفء البصرة وطيبة اهلها، نشيداً يردده اطفالنا من القلب ونحفظه في جوانحنا طيباً طيبة خبز اهل العراق الخارج لتوه من تنور الأمهات، وسهلاً كما يريد العراقي حياته القادمة وأحلامه القادمة.
ليس فقط رئيس أقليم كوردستان العراق السيد مسعود البارزاني من يريد أن يكون لنا علماً ونشيداً وطنياً، فهو يطالب بما يريده معه كل أهل العراق، وبعد أن استكمل أهل العراق كل مستلزمات العملية الدستورية والقانونية، علينا أن نطالب بعلم ونشيد لنرفعه فوق هامة العراق بعد ان ترحل القوات الأجنبية عن بلادنا ليرف والى الأبد فوق هامات العرب والكورد والتركمان والكلدان والأشوريين والأرمن.
علما ونشيداً يصدح فوق قمم جبال كوردستان ويتردد في جنبات صحراء السماوة، وتردده البلابل في كربلاء وديالى، ونشيداً يعرفه أهل البادية وتغنيه حناجر أهل الموصل بلكنتهم المحببة، نشيداً يعرفه اهل البصرة والعمارة والديوانية يرن في اركان بابل ولايتوقف مع خرير ماء دجلة في الكوت، نشيداً به رائحة السعف والجمار في السماوة، نشيداً يعزف لنا كلمات الجواهري والبياتي ومصطفى جمال الدين والسياب وعبدالله كوران ومظفر النواب والشيخ زاير وشيركو بيكه س وخاني وأنور مردان وحسن كوره ومولوي والهمداني.
علماً بسيطا يشير الى ألوان الطيف العراقي، ونشيداً سلساً وواقعياً مملحاً بطيبة أهل العراق عرباً وأكراداً وتركمانا ً وكلداناً واشوريين وأرمن، ممزوجاً بدياناته الإسلامية والمسيحية واليهودية والمندائية والأيزيدية لكنه بكل الأحوال سيكون علماً حقيقياً للعراق.