هل سأل أحدنا نفسه ترى ماذا كان النبي محمد (ص) يصنع في غار حراء؟؟؟
لم يكن يملك آنذاك أي أداة من أدوات العبادة فلم يكن وقتها يعرف الصلاة ولم تكن قد شرعت؟
فماذا كان يصنع وحيدا في الغار؟ ويسلخ أياما وليال برمتها على مدى خمسة عشر عاما؟ حتى أتاه جبريل برسالة الإسلام؟
تروي كتب السيرة أن السيدة خديجة كانت تصعد إليه بالماء والزاد مما يدل على استغراقه الكامل بالرياضة الروحية التي كان يمارسها، فيمكث الليالي ذوات العدد، وكل سنة، وفي رمضان، حتى نزل عليه الوحي، فلو لم يصقل كل هذه الفترة، ما تلقى إشعاع السماء فارتسم، كما تنطبع الصورة على المرأة، مثل العالم الموازي أو عالم مضاد المادة!!
وفي علم الاجتماع يتم الحديث عن قيود ثلاث تقيد العقل البشري هي:
القيود النفسية والاجتماعية والقيود الحضارية...
وفي شرح القيود النفسية نتبين أن الإنسان يملك نفسا معقدة، فيها الكثير من الرغبات المكبوتة، والعواطف المشبوبة، والاتجاهات الدفينة.
والإنسان يدعي دائما أنه يفكر تفكيرا حرا لا تحيز فيه ولا تعصب ولكنه لا يعلم ماذا كمن في عقله الباطن من عقد وعواطف ونزوات خفية!!
وأصدق ما يقال في هذا الموضوع أن كلنا متحيز بقدر، ولعل أفضلنا طريقة هو من انتبه إلى أنه متحيز..
وفي هذا يقول المؤرخ البريطاني توينبي في أول دراسته لعلم التاريخ أنquot; المؤرخين يميلون إلى شرح آراء الجماعات التي يعيشون فيها ويكدحون منهم إلى تصحيح تلك الآراءquot;..
وفي مجال القيود الاجتماعية نجد أن الإنسان مشدود إلى حيث انتمائه إلى الجماعة، أو الطائفة أو الطبقة، ولذلك فهو متعصب إلى حيث ينتمي، وقد يظن أحدهم أنه اعتنق دينه لأنه فكر فيه بموضوعية وحيادية ونزاهة، ولكن الضغوط الثقافية، وإكراهات المجتمع، تشكل الفرد وتبرمجه على نحو ساحق ماحق، ولكن لحسن الحظ لا يتنبه أحد لهذا إذا لفسدت حياته؟؟
كما أن العقل البشري خاضع لقيود حضارية، وهي القيود التي يشترك بها مع كل الجماعات داخل حضارة معينة، وهذه القيم تتغلغل في اللاشعور أو ما يسمى بالعقل الباطن..
والعقل الباطن والعقل الظاهر متعاكسان أو على طرفي نقيض؛ فإذا اشتدت فعالية أحدهما خفت حدة الآخر...
والعقل الباطن هو عقل الإيمان والعقيدة الراسخة، بينما العقل الظاهر هو عقل التفكير والحوار الذاتي..
وإنسان اليوم يعاني من مشكلتين: فهو أولا فقد نعمة الإيمان والعقيدة الراسخة؛ فهو يتفلسف أكثر مما يصدق ويؤمن، ولذا ضاعت من يديه قوى جبارة، وهي قوى العقل الباطن وحوادسه الخارقة (مجموع حدس).
وهي قضية اشتغل عليها كثيرا عالم الاجتماع العراقي (الوردي) في كتابه (خوارق اللاشعور).
والمشكلة الثانية التي يعاني منها الإنسان اليوم، هي تناقض العقلين في المنهجية؛ فهو يتحدث بشيء ويضمر آخر، ويهتف بالموعظة الحسنة، ويبطن نقيضها من الموعظة الفاسدة، وهو ما وصفه القرآن quot; وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئونquot;
وتحكي كتب السيرة عن الرسول أن سر عبقريته في النجاح استخدام العقلين بقواه الخفية الباطنة والظاهرة المادية؛ فكان حكيما واقعيا بعيد النظر، حين يضع الخطط، أو يدير المعارك أو يسوس الناس؛ فإذا توجه نحو ربه نسي نفسه وانغمر في إيمان عجيب..
ويروى عنه أنه قبيل معركة بدر الكبرى، استشار أصحابه وأهل الخبرة، فعبأ جنده وأعد سلاحه، كأي قائد بارع من قواد هذه الدنيا، حتى إذا دنت ساعة النضال رفع يديه إلى السماء وأخذ يدعو ربه دعاءا ملتهبا حارا: يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض..
فهو في مرحلة الاستعداد غيره في مرحلة الهجوم، وهو بذلك قد جمع بين جنبيه النقيضين، وتحرر من المشكلة الأولى، وفي كونه الملقب بالصادق الأمين ما يدل على تحرره من المشكلة الثانية...
خمسة عشر عاما قضاها الرسول منفردا في غار حراء كي يتحرر من قيود العقل الباطن أولا، وتناقض العقليتين، ويثبت عبقرية فريدة في التاريخ، اعترف بها (مايكل هارت) فوصفه بالأول في كتابه الذي يتحدث عن الشخصيات المائة الأعظم تأثيرا في الجنس البشري..
وفي وصف جاء به المعري بأن المسلمين إما عقلاء لا دين لهم أو متدينون لا عقل لهم ونحن نريد متدينا بعقل فهل من رجل رشيد؟؟
إية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات