يرتكب علم الرياضيات جريمة كبيرة بتحويل الجسد إلى كتلة من الا رقام... وزن... طول... ارتفاع... سرعة... مسافات... حجم... يحيل الجسد إلى كتلة من الأرقام المتّسقة بانتظام قاتل، فاهرع إلى فلسفة الجمال الفوضوي لأتشرّب رعشات الجسد التي تهز الكون كله.
إن أغنى مقترب يفتخر به الرقم هو الضبط، الجسد رغم أنه لا يكذب إلاّ إنه يتمرّد على كل محاولة لضبطه، بل آية صدقه هو الانفلات من جبروت الرقم، هذا الإله الأجوف، الذي يخيف الحقيقة بحبسها بين جدران الخلود الجاف.
الرقم ينكسر، فيما الجسد يتمدد على حبات الرمل، هناك، يستنبت شهوة الحب في كل ذرة من ذرات الرمل بهدوء، فيتغذى الرمل برائحة الجسد الملكوتية، ينتشي بخمرة الحياة، تتهيج حبّات الرمل بشهيق الجسد الممتد، يتشرّب بعرقه الماجن، يسكر بصوته المندس إلى مسافاته الضيقة، فأين الرقم من هذه الثورة الجسدية، الرقم جثّة تنفث زفير الحديد المصنوع في قاع الموت البطيء.فيما الجسد شاهد على التوائه المستمر، يلتوي على محوره الذي لا يتكرر أبدا، ففي كل لحظة هو محور جديد.
الرقم يزداد باضافات منفصلة، إضافات تفصل بينها مسافات ذهنية كبيرة، والجسد ينمو متصلا ومنفصلا، ينمو من داخله... ينمو من خارجه... ينمو بحرارة... سخونة نموه تحرق المسافات بينه وبين كل ما في الوجود، وتبعد المسافة بينه وبين كل ما في الوجود. هو الغائب الحاضر.. ينمو.. نموه ينبسط وينقبص... يرتخي ويشتد... يهفو ويهرب... يصرخ ويضحك... لا توجد قاعدة لنمو الجسد، لان القاعدة تجعله أسير الرقم، فيما الرقم هو أسير الجسد.
ها هو ينمو!
هل الجسد مجموعة أعضاء تؤدي وظائف مخصوصة؟
تلك جريمة... الجسد غير الجسم... الجسم تعذبه أدوات التشريح والتفتيت، الجسد يتعالى على الزمن، مفارِق، فلا يخضع لهذه الأدوات، ذاك تمزّقه الحدود والتخوم والعلامات الفارقة والالوان المميزة، تقطعه إلى كيانات متفرقة، فيما تنعدم الحدود والتخوم في عالم الجسد، الجسد فضاء، فضاء بلا معالم تشخص نهايته أو بدايته، ينمو ولا نحس بنموه، لا نشعر بنموه، يفاجأنا بنموه، نموه شعور، إحساس، هياج، صرخات، فيما نمو الجسم لحم وعظم وشحم وعروق ودم hellip; خلايا الجسد من جنس الجسد، تملك هوية جسدية وليس هوية جسمية، تتمرد على الابعاد الا ربعة، الجسد هنا يشبه العالم بأكوانه التي لا تعد ولا تحصى، ربما هو عالم افتراضي في الخارج، ولكنه حقيقة جسدية واضحة.
هل للجسد تاريخ؟
نعم hellip;
للجسد تاريخ...
ولكن من يكتب هذا التاريخ؟
يكتبه الجسد نفسه، يكتبه بآهاته وضحكاته وغنجه وغضبه، الزمن الذي يتشكل به تاريخ الجسد من جنس الجسد، هناك جسد وزمن جسدي، كما أن هناك جسما وزمنا جسميا، زمن الجسد هو ممارسته ذاتها، صراخه، هروبه، إقباله، إدباره، شهوته، ملحه، ماؤه، غذاؤه، هذا هو زمن الجسد، الجسد متحد بزمنه، لا يقاس بآلة من خارجه، الساعات اليدوية والالكترونية لا تملك القدرة على قياس زمن الجسد، بل لا تملك حق الاقتراب منه، هل يتمكن أحد منّا أن يحسب بالثواني ذروة الوصال الجسدي، شهقة الجسد في لحظة من لحظاته المجنونة؟
مستحيل...
وذاك من سحر الجسد...
غذاء الجسد من الجسدية، الجسدية ميل متواصل مع هويتها، أحساسها، شعورها، حركتها، سكناتها، تموجها، غضبها، الجسد عين الجسدية، لا انفصال بين الجسد والجسدية، أي محاولة للتفكيك بين الجسد والجسدية تقضي على الأثنين معا، ذلك يعني غيابهما سوية، إنعدامهما بالمرّة...
لا جسد بل جسدية...
لا جسدية بلا جسد...
الجسد كلمة، ولكن ليست كلمة تكتب بحروف الابجدية مهما كانت هذا الابجدية، بل تكتب بماءها المنبثق من عمقها، تكتب بحروفها مستلة من شحمها الفائر، من لحمها الساخن، من آهاتها الحرّة، من أنفاسها المتورمة بشهقتها المتفردة...
صحيح أن الكلمة كائن شبقي، تنتظر ما يسافحها ، كائن إنثوي مهوس بتعدد الازواج، ولكن شبقية الحرف مشروع مؤجل، يحتاج إلى عامل ينقلها من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل، فيما شبقية الجسد فعل دائم، أنزله الله شبقيا.
هل للجسد هوية؟
إذن نستطيع أن نكتشف الجسد، فيما هو الذي يكتشفنا، هو الذي يفضح أسرارنا، هو الذي يميط ثياب الزيف والخداع والأحتيال، الجسد يعري أخلاقنا بشكل مذهل، فهل يعني هذا أن الجسد بلا هوية؟
للجسد هوية...
هويته خفية..
الرقم قابل للقسمة والجمع والطرح والضرب، الجسد ليس موضوعا لهذه العمليات الذهنية الجافة، لا ينقسم، لا ينجمع، لا ينقص، لا يتكرر، هو الذي يجمعنا، وينقصنا ويزيدنا ويكررنا!!!
ليس غواية...
ولا طمعا بشهوة...
ولكنها رسالة..
الشعر موضوع الجسد وليس الجسد موضوع الشعر، الحب موضوع الجسد وليس الجسد موضوع الحب، فإن تجسيد الحب هو الذي يعطي للحب حقه من الوجود...
الجسد يكتب تاريخه، ويصحح جغرافيته، وينبي بخبره، وينشا منطقه، ويؤسس فلسفته، وينظم شعره، ويشخص وظيفته، ويحدد حركته، ويحسب سرعته...
عالم بين السماء والارض...
ليس هو بالاثير ولا بالحجر الصلد..
فكان عالما أخر، لا معقول ولا محسوس، بل هو المسافة التي تربط بين العقل والجنون، هل قرأتم كلام علي وهو يصف الجسد في ذورة إنفعاله؟
هل للجسد هندسة؟
هندسة الجسد ليست أبعادا ثابتة، ليست خطوطاً نهائية، ولا نقاط وهمية، ولا سطح جاثم يشغل حيزا من الفراغ الفيزيقي...
الجسم التعليمي ليس هو الجسد، الجسد هندسة تتشكل حسب تلاقي وتنافر وتوازي وتاقطع وتخالف الاها ت والشفرات والتموجات والصرخات والضحكات والرغبات والاهواء والنزق والهوس والشره والصدود والاقبال والإدبار، تلاقي الجنون والعقل وافتراقهما...
هندسة من جنس الجسدية...
لا جسد بلا جسدية..
لا جسدية بلا جسد

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه