"غايتك من الحياة أن تجد هدفك". هکذا کان ينظر بوذا للحياة تماما مثل الذي کان يعنيه دوستويفسكي أيضا عندما قال "إن سر الوجود البشري لايمکن فقط في البقاء على قيد الحياة، لکنه يقبع في العثور على شئ نعيش من أجله"، ومن دون شك فإنه ليس بالامکان القول بأن هذه القاعدة يمکن سحبها على أکثرية الذين يعيشون على هذا الکوکب، وحتى إنه لايمکن أيضا سحبها على النخب المثقفة والمتعلمة، ذلك إنه کثيرا ماتجد أفرادا أميين ويعيشون بعيدا عن صخب المدن، قد حددوا أهدافهم وخياراتهم في الحياة.

کثيرا ما يجري الحديث عن التقدم الحضاري والعلمي الذي وصلت إليه البشرية وبشکل خاص في الالفية الثالثة بعد الميلاد، ويجري التفاخر والمقارنة بين هذا الزمن وبين الازمان الغابرة ونصفق لهذا الزمن ونرفع القبعات له ونتهجم بکل ما في جعبتنا من مفردات وتعابير سلبية وأحيانا مقذعة على الازمان الغابرة ونعتبرها أزمان التخلف والوحشية وإنعدام القيم الانسانية لکن حقا إن الامر کذلك؟ هل إن البشرية في الالفية الثلاثة بعد الميلاد قد تخطت کل سلبيات الازمنة القديمة ووصلت الى حالة يمکن وصفها بالمقبولة (ولاأقول مثالية)؟ وصارت البشرية تعرف هدفها وتسعى إليه؟

نتفاخر کثيرا بأن عصرنا هذا هو عصر حقوق الانسان والمرأة وعصر التقدم العلمي والحضاري والاجتماعي وعصر السلام والامن والوئام، لکن هل هو حقا کذلك؟ هل إن هذا الزمن الذي نعيشه قد تمکن من إجراء عملية تغيير جذرية على القيم والافکار السلبية التي کانت سائدة في الازمنة القديمة؟ هل إن البشرية کانت آمنة في الازمة الغابرة أم في زمن الانترنت وهندسة الجينات والسفر الى الفضاء؟

لا زلنا نستعير تعابير من أحداث الازمان الغابرة من أجل تمجيد زمننا الحاضر، ونتحدث عن مجازر التتر والمغول وعن وأد البنات وحرق المدن وإستباحتها، غير إننا وعندما نتذکر الحربين العالميتين الاولى ما قد نجم عنهما من مجازر ومصائب وکوارث، فإننا نرى بأن ما کان يجري في الازمة القديمة لم يکن إلا مجرد مواجهات وحروب محدودة قبالة ما قد جرى في حربين عالميتين في القرن العشرين! وإن هيروشيما وناکازاکي وحلبجة لوحدها تجعلنا نعرف بفارق مستوى الوحشية والدمار بين العصر الحديث وبين العصور القديمة، إذ إن حروب عصر غزو الفضاء وإکتشاف هندسة الجينات والسعي للسفر عبر الزمن، حفلت بميزة أو بالاحرى بطامة لم تکن موجودة في العصور القديمة، وهي إن الحروب لم تعد تستهدف البشر، وإنما البيئة برمتها وحتى النسل البشري ذاته!

نتحامل على نيرون وجنکيزخان وهولاکو وأتيلا وغيرهم من الطغاة، لکننا وعندما نقارنهم کلهم بنماذج مثل هتلر وستالين وکيم ايل سونج وسلوبودان ميلوسوفيتش، فإننا نجد إن الفرق بينهما کبير جدا وفي غير صالح العصر الحديث، لکن المصيبة إن القصة لا تنتهي هنا، بل إن إن الحبل لازال على الجرار، وخصوصا بعد أن وجدنا إن البشرية صار مصيرها بأيدي مخرف مثل بايدن ومريض بجنون العظمة مثل المعتوه بوتن ومنافق يلعب على کل الحبال مثل شي جين بينغ، ولکل من هٶلاء الثلاثة حقيبته النووية التي تحمل بکبسات أصابع هٶلاء لثلاثة فناء البشرية!

حقا إن زمننا هذا زمن غريب وفريد من نوعه، وهو قطعا لا يمکن القول عنه ووصفه بأنه زمن مقبل للبشرية، مقبل کما لو"باضت الحمامة على الوتد"، وإنما هو زمن مدبر، مدبر وکما لو"بال الحمار على الاسد"!