تسعى وزارة الإعلام الكويتية مجدداً إلى قيادة تقييد الحريات وتكريس التحصين والتقديس والاحتكار في المجال الإعلامي عبر مشروع قانون تنظيم الإعلام وإيهام الشعب والقوى السياسية والمدنية بأن المشروع يهدف إلى المزيد من الحريات في حين النص يقول العكس، بل النقيض!
بذريعة "المسودة الأولى" لمشروع قانون تنظيم الإعلام، زعم وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري مناقشة المشروع في اللجنة التعليمية بمجلس الأمة وحين تدافعت القوى الشعبية ضد النص المطروح، تراجع الوزير عن المسودة الأولى مقابل تصور أخر لم يختلف عن الأول من حيث الهدف والغاية غير الحصيفة.
وزعم وزير الإعلام الكويتي المطيري أن الغاية من "تحديث التشريعات بما يناسب رؤية كويت جديدة واستراتيجية وزارة الإعلام 2021-2026" "تفعيل الشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني" بينما مواد المشروع لا علاقة لها لا بالتنمية ولا التطوير ولا تعزيز الحريات الإعلامية.
كان الخطأ المهني الأول الذي قاده وزير الإعلام عبدالرجمن المطيري في عدم توزيع مسودة التنظيم المزعوم للإعلام قبل الحلقة النقاشية التي تمت يوم الاثنين 25 سبتمبر 2023 وتسويق الإعلام الرسمي لها حتى يكون النقاش علمياً ومهنياً وواقعياً وليس اجتهادياً وعشوائياً.
الخطأ السياسي الفاحش الذي ينم عن غياب الحصافة السياسية يكمن في طرح وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري تحصين الديوان الأميري وديوان ولي العهد مما "ينسب من قول أو فعل" لهما إلا ب "إذن خاص مكتوب" وهو طرح غير موضوعي وغير عملي.
لا يمكن التعويل على الحصول على "إذن مكتوب" في ظل بيروقراطية حكومية مفرطة ومبالغة سياسية في التحصين من النقد المباح والتقديس للديوان الأميري وديوان ولي العهد فهما جزء من جهاز حكومي يضم موظفين تدفع رواتبهم وامتيازاتهم المالية من ميزانية الدولة وليس ميزانية خاصة.
إن ذات سمو الأمير مصانة دستوريا وليس ثمة أي جدل حول ذلك من دون تجاهل الحق القانوني في الطعن في المحكمة الدستورية على المراسيم الأميرية واحترام السلطة الحكومية لذلك الحق القانوني وضرورة أن تعلب الحكومة دورا في تحصين المراسيم الأميرية قبل صدورها.
وبالنسبة للآداب العامة والقيم الاجتماعية فهي ليست قواعد ثابتة ولا يمكن الاجماع عليها بين مكونات المجتمع الكويتي، فالقيم والتقاليد تتغير مع التطورات الاجتماعية حتى في ظل تغلغل التيار الديني المتشدد في مجلس الأمة وخارجه أيضاً الذي نرفض أن يكون وصياً على الشعب.
وعن رأس مال الشركة لترخيص الصحف والقناة المرئية والمسموعة فقد تضمن مشروع قانون تنظيم الإعلام مبالغة مالية تعجيزية تتراوح بين 100-500 ألف دينار كويتي لتكريس الاحتكار الحالي للإعلام الخاص على عوائل كويتية معينة وعدم الانفتاح على التطورات التقنية ومتطلبات العصر.
وورد في مشروع التنظيم المزعوم للإعلام نصوص فضفاضة في المحظورات ك "الترويج لتوجه مخالف للقيم الإسلامية"، وهو فهم قاصر للدين الإسلامي والشريعة فالبحث العلمي والرأي قد يتناول مثالب في الممارسة الدينية والتوجهات المتشددة التي ينبغي التصدي لها من أهل الاستنارة والثقافة.
لابد عدم تناسي أو تجاهل لحقائق واجهتها الكويت نتيجة التطرف الديني والغلو في الدين الذي تمدد في الدولة والمجتمع على نحو مغاير للتسامح ووسطية التفكير والقبول بالرأي الأخر والذي دفع بعمليات إرهابية داخل الكويت وخارجها من مواطنين كويتيين.
وينبغي أن يضم مشروع تنظيم الإعلام على احترام الديانات السماوية الأخرى وطقوسها والأبحاث والآراء التي تعزز من التنوع الثقافي والتعددية الفكرية والدينية ونشر التسامح في المجتمع والمعرفة في كافة الآراء والدراسات التي يتداولها الإعلام الأجنبي.
ولا ينبغي أن ينص مشروع تنظيم الإعلام على الحظر والعقوبة بحجة "الأضرار بالعلاقات بين الكويت وغيرها من الدول العربية أو الصديقة بصورة تتصف بالعدائية"، فالنص فضفاض خصوصا أن الدول الصديقة يشمل دول العالم ولا يجوز وصف الرأي العلمي والسياسي بالعدائية حتى لا نرهق القضاء بنص غامض ومفهوم سياسي انتقائي.
غاب عن مشروع تنظيم الإعلام حظر الإعلانات المنتشرة في الشوارع عن عمليات التجميل والترميم والقروض الطبية والتقسيط وتحول العيادات الطبية إلى مصدر تجاربي للتربح من عمليات غير مبررة طبياً عبر تظليل الشباب في معلومات غير دقيقة علمياً وطبياً.
يتوجب على وزارة الإعلام إلغاء ما ورد من عقوبة السجن لأصحاب الرأي وينبغي على قوى المجتمع المدني التصدي لهذا العبث في الحريات وعدم تقييدها في نصوص جديدة من شأنها أن تشيع التزمت الاجتماعي والتشدد الديني والتقديس الانتقائي لأجهزة حكومية وموظفين عامين.
- آخر تحديث :
التعليقات