لا حديث يعلو على حديث الاجتياح الإسرائيلي لمنطقة رفح، التي تحتضن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني من النازحين في رحلة شتاء وصيف وذهاب وعودة من الخراب إلى الخراب، وهروباً من الموت إلى المصير المجهول، فالكيان يرمي بكل أوراقه في رفح في سبيل إجبار حماس على انقاذ آخر ما تبقى من معاقلها وتنفيذ صفقة تبادل بدون شروط مسبقة.

إسرائيل تضغط بيد على حماس وبأخرى على مصر، مهددة باجتياح رفح غير آبهة بمآلات اليوم التالي لما بعد إحكام السيطرة التامة على رفح ومعه محور فيلادلفيا... وترى أنَّ الأمر سيمكن من فرض واقع جديد يخدم معادلتها الأمنية على حساب الآخرين، ولعل أكثر ما يزيد الوضع اشتعالاً وقلقاً هو التهديد الإسرائيلي لمصر من عملية رفح، وهو ما تسبب في حالة من التوتر بين الجانبين، حيث أن سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح سيكون سبباً رئيسياً في عدم القدرة على إدخال المساعدات، وكذلك فرض واقع جديد في هذه المنطقة يتمثل في سيطرتها على المعبر وتواجدها في محور فيلادلفيا، وهو ما يتعارض بشكل قاطع مع بنود معاهدة السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل فيما يتعلق بمحور فيلادلفيا والمنطقة الحدودية هناك، وبالتالي ستشتعل المنطقة تزامناً مع العمليات العسكرية التي ستنفذ والقصف اليومي لهذه المنطقة، وهو الأمر الذي ترفضه مصر بشكل قاطع وصريح ولا رجعة فيه، وحذرت من تداعيات التصعيد في قطاع غزة ورفضت أي تنسيق معها بشأن معبر رفح، مؤكدة أن الموقف المصري ثابت تجاه العدوان الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى واضعة أمنها القومي وحقوق الشعب الفلسطيني في مقدمة أولوياتها.

وفي نفس الوقت يحاول بنيامين نتنياهو الزج بأميركا في اللعبة، ويوكل المهمة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإقناع القاهرة بقبول الأمر على مضض، ومقابل امتيازات تدفعها واشطن بالنيابة عن تل أبيب، وهنا قد تحاول إدارة بايدن مساومة الجانب المصري فيما يتعلق بالشركة الأمنية المزمع أن تعطى الضوء الأخضر الأميركي لإدارة حركة التجارة والمسافرين عبر معبر رفح.

قد تشهد الأيام القادمة دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى مؤتمر إعادة إعمار غزة، وقد يدعو إلى مناقشة وضع غزة ما بعد الحرب، وقد يدعم عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع ليعود الاستقرار له من جديد.

ورغم ذلك، اتهم الكيان المحتل مصر أمام محكمة العدل الدولية بأنها المسؤولة عن إدارة معبر رفح، وتعرقل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهو الأمر الذي نفته القاهرة، ورفضت تلك الأكاذيب الإسرائيلية والتي تهدف إلى إجبارها على القبول بدخول شركة أجنبية لإدارة معبر رفح حتى تحكم تل أبيب سيطرتها بشكل كامل على قطاع غزة، وتتحكم في كل كبيرة أو صغيرة تدخل أو تخرج من القطاع، وبالتالي تمارس سياسة خنق الشعب الغزاوي وقتله بالمجاعة في أي وقت.

ومن المتوقع ألا تسمح مصر بوجود أي قوات أجنبية أو إسرائيلية على حدودها، وخصوصاً عند معبر رفح أو محور فيلادلفيا، في المقابل تصر إسرائيل على اجتياح رفح واحتلال المعبر، وبالتالي فهي تقود الأزمة إلى طريق مسدود دون وجود أي بوادر منها عن أي هدنة مع حماس أو تهدئة الموقف مع مصر.. فماذا تريد إسرائيل بعد إشعالها منطقة الشرق الأوسط، وهل تشهد الفترة المقبلة دخولها في مناوشات عسكرية جديدة؟!

في النهاية، على إسرائيل وخاصة حكومة نتنياهو، إعادة التفكير في اتفاق الهدنة والتنازل عن بعض الشروط من أجل تهدئة توتر المنطقة، ثم الانسحاب من قطاع غزة والعودة إلى حدود الاتفاقيات حتى يعم السلام في المنطقة.