فلسطين الأبية قاب قوسين أو أدنى من أن تُصبح دولة بفضل صمود الشعب الفلسطيني وحراكٍ شعبي ورسمي دولي.. وصحيح أن فلسطين لن تعود لسابق عهدها التاريخي لكنها على الأقل ستكون دولة يعترف بها النظام العالمي الذي لا محل من الإعراب فيه للضعاف، لتبدأ مسيرتها الجديدة متحررة من طغيان الاحتلال ومن شعارات المُدعين غير المؤمنين بشعاراتهم وغير القادرين على حماية شعاراتهم، وفيما يتعلق بالموقف العربي بشأن القضية الفلسطينية وفلسطين الدولة المُعترفِ بها سيتطلب الموقف الانتقال من مرحلة "القرار والشعار" إلى مرحلة "الاقتدار"، وهذا يعني ضرورة المواجهة لردع نظام الملالي وإنهاء مخططاته التوسعية التي لن تقف عند بغداد وبيروت وصنعاء ودمشق ولن تقبل بفلسطين خارج إطار الفرق الموالية لهم، وهنا على العرب أن ينتبهوا إلى أي مكاسب تُكتسب لصالح القضية الفلسطينية سيسعى نظام ولاية الفقيه في إيران إلى الدفع بها خارج إطار الشرعية الفلسطينية.. الشرعية الفلسطينية التي ستكون محور صراع جديد قديمٍ في فلسطين بسبب التراجع عن مواجهة ملالي إيران ونظامهم وميليشياتهم وفئاتهم الأخرى في عموم المنطقة.

استهلكتنا قضايانا التي عشقنا الاستمرار معها والشكوى منها، وأهلكتنا الفُرقة، ولغة الشعارات الفضفاضة التي اقتبسها ملالي الجهل في إيران منا وأبدعوا اليوم في تسويقها علينا عرباً ومسلمين بنمطية سفيهة لا يمكن أن تعبر عن منطق دولة ومع ذلك أخضعونا والمنطقة برمتها لأزمات لا تنتهي ولن تنتهي ما دمنا على حالنا نمضغ شعاراتنا ونعلكها بمتعة، ونمد خصومنا وأعدائنا بأسباب البقاء بدلاً من أبسط حالات المواجهة التي ستعجل بزوالهم ونهاية عدوانهم وما ألحقوه بنا من تفتت اجتماعي يهدد الوجود والاستقرار، وهوانٍ سياسي يعززه الغياب الكلي للإرادة العربية، وخرابٍ اقتصادي متراكم بات أرضية خصبة لمشاريع الأزمات القائمة بالمنطقة على يد ملالي إيران وأترابهم لصالح الغرب حكومات وشركات.

لقد بات من الواضح والمؤكد للجميع اليوم أن أزمة العرب الرئيسية ليست القضية الفلسطينية بل هناك قضية أخرى حقيقية وخطيرة غيرت الموازين وتهدد دولاً عربية بالزوال ومجتمعات عربية بالتشوه والتفتت، وبعد أن كانت قضية القدس قضيتنا الأولى والكبرى ها هم ملالي إيران يتباهون باحتلال أربعة عواصم عربية أخرى قد تهاوت بين أياديهم وستلحقها عواصم ومدن أخرى، ووفقاً لتوجه الملالي هذا ها هي مخططاتهم وتوجهاتهم بشأن الأردن الذي أغرقوه بالمخدرات والسلاح تتضح للعيان!!! فماذا يريد الملالي من الأردن، وماذا يُنتظر بعد الهيمنة على الأردن المُحاصر من الجبهتين السورية والعراقية اللتان بمثابة مواقع خلفية للنظام الثيوقراطي الحاكم في إيران والمهيمن على المنطقة بمباركة النظام العالمي.

بعد اندحارهم أمام العراق في حرب الثمان سنوات بعقد الثمانينيات من القرن الماضي عاد نظام الملالي من جديد ليحيي مشروعه القديم بعد مشاركته في احتلال العراق واستلامهم إياه من قوى الاحتلال على طبق من ذهب بعد مسرحية الانتخابات الاستعراضية المزيفة، والدستور القاصر المعوق والدولة المُغيبة بلا جيش ولا مؤسسات والاقتصاد الذي تُديره العصابات والمُسميات السياسية الجوفاء المُفرغة من الحقائق، وعاد حُلم خميني باحتلال كربلاء "العراق" ليصبح حقيقة لكنه حقيقة ليس من أجل القدس أو فلسطين بل من أجل الهيمنة على المنطقة العربية برمتها فأصبحت دمشق وصنعاء بأيدي الملالي بعد بيروت وبغداد والأردن قادم وفق المخطط، أما فلسطين فهي في متناول اليد، ولن يدخل الملالي فلسطين فاتحين أبداً وحجتهم في ذلك حاجتهم الماسة إلى الجبهة الأردنية من أجل تحرير فلسطين ومن ثم احتلال الملالي للجزيرة العربية دون تحرير فلسطين وينتهي الأمر بتقاسم النفوذ في المنطقة بين الملالي والصهاينة بدعم غربي وتلبيةً للمصالح الغربية، ولأجله ستبقى فلسطين وقضيتها وشعاراتها وأدبياتها وسيلة الملالي في المناورة من أجل خداع العرب والمسلمين.

يسير ملالي إيران فيما يتعلق بفلسطين في مسارين الأول يسوقونه على العرب والمسلمين، وفيه يُطلِقون العنان لشعاراتهم الجوفاء الرنانة كـ متصديين للمُحتل الصهيوني ويسخرون كافة قدراتهم من أجل تحل تحرير فلسطين علماً بأنهم لم يُعبئوا جنديا واحداً لهم في هذا الاتجاه على الرغم من الادعاء بوجود ملايين المتطوعين من أجل فلسطين التي لن يدخلوها بل سيدخلون الأردن ودول شبه الجزيرة العربية عوضاً عنها، والثاني يسوقونه متماشياً مع النظام العالمي الذي يعترفون أمامه وفي مؤسساته بالاحتلال الصهيوني كـ "دولة" ويشيرون إليها هم وشركائهم بشكل رسمي.

ختاماً بعد فضح الحقائق على مدار الـ 45 سنة الماضية وبعد أحداث دمار غزة والتطورات المتعلقة بها في المنطقة والعالم هل سيواجه العرب نظام الملالي سواء من أجل فلسطين أو من أجل إنقاذ أنفسهم؟ أم أنهم سيبقون على حالهم قمة بعد قمم، وتطبيعٌ كفيله يحتاج إلى كفيل ضامن "كفيل خسار" يكون مستعداً وقادراً على تحمل المسؤولية في حال إخلال أحد أو كِلا الطرفين المتفقين ببنود ما تم الاتفاق عليه.. ستبقى خيارات العرب محدودة في واقعنا الحالي الذي سيكونون فيه مجرد حبة واقعة بين فكي الرحى الشرقي الطموح في إقامة عالم جديد والغربي الذي يخشى الأفول والزوال من بعد قوة وجبروت طغيان.