لقد أحدثت الوفاة المفاجئة لإبراهيم رئيسي، رئيس النظام، موجات زلزالية عبر النظام الحاكم في البلاد. وكان رئيسي، الذي يحظى بثقة عميقة من المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي بسبب دوره الرئيسي في مذبحة عام 1988، جزءًا لا يتجزأ من تعزيز سلطة خامنئي. وتمثل وفاته ضربة استراتيجية مدمرة لخامنئي، تهز أسس النظام وتستحضر ذكريات الأيام الأخيرة من حكم الشاه.
ووصفت مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وفاة رئيسي بأنها ضربة استراتيجية لا يمكن إصلاحها لخامنئي والنظام المعروف بإعداماته ومجازره. وأكدت أن هذا الحدث يمكن أن يشعل سلسلة من الأزمات داخل النظام الثيوقراطي، ويحشد الشباب المتمردين وجماعات المعارضة للعمل. وكرمت رجوي ضحايا مجزرة 1988، مؤكدة التزام المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بالسعي لتحقيق العدالة وإسقاط النظام.
لقد استثمر خامنئي بدقة في رئيسي، حيث همش العديد من الشخصيات المؤثرة داخل النظام، ومركز السلطة حول رئاسة رئيسي. وكانت هذه الاستراتيجية تهدف إلى إنشاء هيكل سلطة متجانس لمنع انتفاضة الشعب. ومع وفاة رئيسي المفاجئة، تبددت جهود خامنئي، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات الداخلية وإشعال الاضطرابات في المجتمع. ويذكرنا الوضع الحالي للنظام بالمرحلة الأخيرة من دكتاتورية الشاه.
وبحسب المادة 131 من الدستور الإيراني، فإن “النائب الأول للرئيس يتولى الصلاحيات والمسؤوليات بموافقة القيادة، ويتولى مجلس يتكون من رئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية والنائب الأول للرئيس”. لاتخاذ الترتيبات اللازمة لانتخاب رئيس جديد خلال فترة أقصاها 50 يومًا.
وهذا الوضع هو على وجه التحديد ما حاول خامنئي تجنبه لسنوات من خلال هندسة الانتخابات والقضاء على أقرب حلفائه. إنه يمهد الطريق لصراع شرس على السلطة بين أعلى الرتب في النظام. علاوة على ذلك، فإن هذا الوضع لا يؤدي إلى تفاقم الصراعات الداخلية فحسب، بل يخلق أيضًا بيئة مواتية للاحتجاجات والانتفاضات العامة.
إبراهيم رئيسي، سيئ السمعة بسبب تورطه في مذبحة عام 1988 التي راح ضحيتها 30 ألف سجين سياسي، معظمهم من أنصار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، ومقتل 1500 خلال انتفاضة 2019، وأدتوفاته إلى ارتياح عام واسع النطاق. وقد أدى هذا الحدث إلى رفع معنويات الناس وعائلات ضحايا النظام بشكل كبير، مما يمثل منعطفًا حاسمًا يمكن أن يحفز موجة جديدة من الاحتجاجات ضد النظام. وقد قام النظام، الذي توقع هذه الاضطرابات، بحشد القوات القمعية للحفاظ على سيطرته. ومع ذلك، فإن السخط المجتمعي عميق للغاية لدرجة أنها قد تكون مسألة وقت فقط قبل أن تندلع احتجاجات أكبر وأكثر راديكالية، ومن المحتمل أن تتجاوز انتفاضات عام 2022.
ويواجه خامنئي الآن قراراً حاسماً: فإما أن يتراجع عن المسار الذي كان يتبعه مع رئيسي أو أن يضاعف استراتيجياته القائمة في القمع وتوطيد السلطة. أما المسار الأخير، والذي من المرجح أن يسلكه، فيتضمن زيادة القمع، والقضاء على المزيد من المطلعين على بواطن النظام، وتصعيد الإرهاب والتحريض على الحرب في المنطقة، واحتمال تسريع تطوير الأسلحة النووية. قد يمنع هذا النهج مؤقتًا الانهيار الداخلي، لكنه سيشعل بلا شك المزيد من الانتفاضات في مجتمع متقلب بالفعل ويؤدي في النهاية إلى سقوط النظام.
تقف إيران عند منعطف حرج. إن وفاة إبراهيم رئيسي هي أكثر من مجرد خسارة شخصية واحدة؛ فهو يرمز إلى ضعف النظام والإمكانات المتزايدة للتغيير التحولي للشعب. ومن المرجح أن تشهد الأسابيع والأشهر المقبلة اضطرابات كبيرة في ظل معاناة النظام مع صراعات داخلية على السلطة وتنشيط المعارضة. ويصبح موقف خامنئي باعتباره الخاسر الاستراتيجي واضحا بشكل متزايد في الوقت الذي يواجه فيه المهمة الشاقة المتمثلة في الحفاظ على السيطرة وسط التحديات المتزايدة.
التعليقات