إنشاء قاعدة عمليات لحركة حماس على الأراضي التركية كان أحد أبرز التقارير التي تداولتها الصحف العربية والأجنبية خلال الساعات القليلة الماضية؛ هذا التقرير الذي أعدته صحيفة "التايمز" البريطانية بناءً على معلومات قدمها مصدر لم يكشف عنه، استناداً إلى وثائق يقال إنَّ جيش الاحتلال عثر عليها في غزة، يحتاج إلى قراءة في مضامينه والغايات منه والمقصد من ذكر اسم تركيا فيه دون غيرها من الدول، مع أنَّ التقرير يتحدث عن تخطيط حماس لإنشاء العديد من الخلايا العسكرية والبيوت الآمنة في العديد من البلدان.

كان دائماً لإسرائيل هواجسها الأمنية التي تأتي من تركيا، وازدادت وتيرتها مع استلام حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة سنة 2002، وقد سبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) أن أدرجت تركيا في تقديرها الاستخباراتي لعام 2020 ضمن قائمة المنظمات والدول التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي بناء على معطيات تشير إلى التهديد الذي يمكن أن تثيره علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين المصرية بشكل عام وحماس بشكل خاص، بالاضافة إلى تقاطع مصالح أنقرة مع طهران في سوريا ومستوى التنسيق الأمني والعسكري بينهما.

مصداقية التقرير تحت المجهر، خاصة أنه يأتي في مرحلة تشهد فيها العلاقات التركية الاسرائيلية توتراً أعادها إلى حالة الجمود والعداء التي فرضته حادثة اعتراض البحرية الإسرائيلية أسطول الحرية "مافي مرمرة"، في أيار (مايو) 2010، لذلك قد يقرأ على أنه مجرد بالون اختبار يراد منه جس نبض تركيا حتى تكشف أوراقها في ما يتعلق مستقبل التنسيق الأمني مع إسرائيل، والذي إلى حد الآن لم توضح أنقرة موقفها منه، واكتفت بتصعيد إجراءاتها الاقتصادية والسياسية ضد إسرائيل على خلفية الحرب في غزة.

في نفس الوقت، لا يمكن نفي فرضية صحة التقرير، بالنظر إلى أنَّ خيار حماس بنقل عملياتها إلى الخارج أمر قد تفرضه الضرورة، خاصة مع تضاؤل القدرات الهجومية للجناح العسكري وتقلص ترسانته العسكرية في ظل حصار مشدد فرضته إسرائيل على قطاع غزة منذ 2014، وهو ما حد من قدرات حماس على تطوير الترسانة، لتأتي مواجهة طوفان الأقصى الدائرة منذ ستة أشهر وتضاعف من احتمالات انهيار الحركة وخسارتها السيطرة على قطاع غزة، وهو ما يستدعي التفكير في موطئ قدم آخر يكون قاعدة لإعداد الخلايا النائمة.

إقرأ أيضاً: من يتحمل مسؤولية تعطيل اتحاد المغرب العربي؟

أن تتحول تركيا إلى ملاذ آمن لقيادات حماس، فهذا أمر غير مستبعد ووارد، وقد يكون جزءاً من صفقة الخروج الآمن بالنسبة إلى حماس، أما بالنسبة إلى تركيا، فلن يكون سوى محاولة لتوظيف القضية الفلسطينية واستعمالها كأحد أوراق الدعاية الانتخابية التي يبدو أن حزب العدالة والتنمية قد أطلقها مبكراً من أجل التحضير الجيد لاستحقاق "التوريث". ولكن أن تتساهل تركيا مع حماس وتفتح لها أراضيها كمركز عمليات أو كمقر إقامة لخلايا تقود عمليات ضد شخصيات أو مصالح إسرائيلية في أوروبا، فهذا يعني أنها تخاطر بالكثير من الأوراق، وتقدم سبباً آخر يدعم التوجه المنادي بتعليق مسار عضويتها بالاتحاد الأوروبي، ومن غير المعقول أن يكون ثمن انتقام حماس من إسرائيل على حساب المصالح التركية؛ فلا المعارضة التركية ستسمح بأن تكتوي تركيا بنيران صديقة، ولا براغماتية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تسمح بذلك.

إقرأ أيضاً: من يوقف طبول الحرب بين الجزائر والمغرب

حتى وإن سلمنا بأنَّ خطة انشاء قاعدة عسكرية في الخارج كان بالفعل مخططاً درسته حماس ووضعت له إطاراً زمنياً محدداً، فإنَّ مهمة تنفيذه أصعب بكثير من فكرة تحريك خلاياها النائمة في الداخل الإسرائيلي وفي الضفة الغربية، ولا ننسى أنَّ حماس تقف على مفترق طرق خطير، والسيناريوهات التي فرضتها الحرب اليوم مصيرية ليس فقط على حكمها بل على قطاع غزة والقضية الفلسطينية برمتها، وأي مخطط لتنفيذ عملية في الخارج سيرتد عليها وسيزيد من حجم متاعب القيادات في البحث عن ملاذ آمن بعيداً عن قطر، لذلك فمن غير المنطقي أن تقدم الحركة على خطوة من شأنها أن تكون نقطة تحسب لصالح إسرائيل، ومن غير المنطقي أن تنجح حماس في استهداف اسرائيل على بعد آلاف الكيلومترات وهي لم تتمكن من تحريك المعركة في الضفة على مقربة من الأهداف الإسرائيلية، رغم المحاولات العديدة لتفعيل خلاياها المسلحة.