بعد أن قررت الجزائر فتح أبوابها لتنظيم يرفع شعارات انفصالية تستهدف السيادة والوحدة الترابية المغربية، اتخد المغرب من جانبه خطوة تصعيدية جديدة من خلال الإعلان عن ميلاد تنسيقية دولية تجمع بين مختلف الفعاليات الجمعوية والحقوقية المغربية للمطالبة بإعادة فتح ملف الحدود بين البلدين والمطالبة باسترجاع جزء من أراض تقع تحت السيادة الجزائرية، وهو سبب كفيل بإحياء خلافات كانت سبباً مباشراً في نشوب حرب الرمال سنة 1963، تلك المواجهة التي زرعت جذور العلاقة المضطربة بين البلدين ثم أتبعتها قضية الصحراء بعقدة استعصى فكها إلى غاية اليوم.

سكب المزيد من الزيت على النار قد يكون التوصيف الأقرب للتصعيد الحاصل مؤخراً بين الجزائر والمغرب، إذ وبالرغم من كل ما ما سجله تاريخ العلاقات بين البلدين من مد وجزر، حرصت القيادات السياسية والعسكرية في البلدين على عدم تجاوز الخطوط الحمراء، إدراكاً منها بضرورة احتواء الصراع ولتتمكن القنوات الدبلوماسية من ضمان الحد الأدنى على الأقل في الخطاب الرسمي ما بين الدولتين، بالرغم من السجال المتواصل في قضية الصحراء، وحرصت على عدم الزج بالسلطة الرابعة في دور البروباغندا السياسية التي تدفع الصراع الخفي إلى الظهور إلى العلن من باب الحفاظ على التاريخ المشترك والجانب الأخلاقي الذي تمتاز به العلاقة بين الشعبين الجارين، لكن اليوم يدخل التصعيد ما بعد مرحلة القطيعة الديبلوماسية منعرجاً خطيراً، وإلى جانب قضية الصحراء التي لم تعد بوحدها تغدي الصراع، انتقل الطرفان إلى لعبة عدائية جديدة بتوظيفهما لورقة الأقليات والحركات الانفصالية.

إقرأ أيضاً: كرة الثلج تتدحرج سريعاً في الشرق الأوسط

كانت تصريحات السفير المغربي لدى الأمم المتحدة خلال خلال المناقشة الوزارية العامة في اجتماع حركة عدم الانحياز سنة 2021، والتي تحدث فيها عن دعم المغرب "حق تقرير المصير لشعب القبائل"، النقطة الحساسة التي أفاضت الكأس ومهدت لإعلان الجزائر القطيعة الديبلوماسية مع المغرب من جانب واحد، رافضة كل الوسطات التي تقدمت بها الدول الصديقة لرأب الصدع العميق الذي أتارثه قضية دعم المغرب لانفصاليي منطقة القبائل الجزائرية، بعدها باشر الإعلام الرسمي في الجزائر تسليط الضوء على المطالب الاجتماعية لسكان منطقة الريف المغربي، في محاولة للربط فيما بينهما وبين مطالب سياسية تطالب بها جماعة انفصالية تنادي بعودة قيام جمهورية الريف التي أسسها عبد الكريم الخطابي، أحد كبار المقاومين للاستعمار الفرنسي في المنطقة المغاربية، في نفس الوقت عزف الإعلام المغربي على نفس الوتر من خلال الترويج للأطروحة الانفصالية لقادة مايسمى بـ"ماك"، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما بدأ الحديث عن ضرورة أن تسارع السلطات المغربية إلى الاعتراف رسمياً بـ"جمهورية القبائل"، والترخيص لمكتب اتصال للمنظمة الانفصالية "ماك" بالرباط.

إقرأ أيضاً: الهدنة تلوح في الأفق

ورقة الحركات الانفصالية التي تحركها الجزائر والمغرب في آن واحد هي مجرد مناورات سياسية لا تستند الى دعم حقيقي من تلك الأقليات التي ترفض في الأصل أطروحة الانفصال، وتتفاعل معها على محمل الهزل والسخرية، وكما يرى سكان منطقة القبائل أنهم مكون أساسي في النسيج المجتمعي للدولة الجزائرية له بصمته في تاريخها ونضالها الثوري، بالمثل يرى سكان الريف المغربي أيضاً أن انتماءهم إلى المغرب مسـألة غير قابلة للتشكيك، ولا حتى النقاش فيها، أما ما يثار حول ما تسميه بعض الأوساط المغربية باسترجاع "الصحراء الشرقية"، ومن منطلق قانوني، فإنَّ الإشكال الحدودي قد انتهى رسمياً بين البلدين عقب التوقيع على اتفاقية إفران سنة 1972، والتي يعترف المغرب من خلالها بترسيم الحدود مع الجزائر. هذه الاتفاقية كانت أتبعت بتوقيع محضر تبادل وثائق التصديق على المعاهدة، والتي أودعت لاحقاً لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، استناداً لما تنص عليه المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، لكنَّ الخطير في هذه المناورات هو أنها تسيئ إلى العلاقة الأخوية التي تجمع الشعبين الشقيقين من باب ما تحدته من فتنة تؤجج مشاعر التعصب وتخلق الكراهية في وقت تحتاج فيه الشعوب العربية الى ما يؤلف لا من يفرق بينها، وإلى ما يذكرها بالماضي والمصير المشترك لا من يخلق الأسباب التي قد تدفع إلى توريط البلدين في مواجهة عسكرية ستكون أوزارها ثقيلة على المنطقة برمتها.

إقرأ أيضاً: لماذا تخشى سوريا الأبراج البريطانية؟

حالة العداء المتنامي تستدعي أن يوضع لها حد، وربما نحن اليوم أحوج إما لوساطة عربية أو صينية تنهي حالة العداء المتصاعد بين النظامين السياسيين في الجزائر والمغرب. العلاقة أمام حتمية أن تعود على الأقل إلى مستواها الأول ما قبل القطيعة الديبلوماسية، في مرحلة أولى يتم التركيز فيها على إحياء معاهدة حسن الجوار، وسيكون هذا كفيلاً بتجنيب المزيد من التصعيد الذي إن استمر، فقد يتطور إلى صدام مباشر تغديه أطراف خارجية عن المنطقة من مصلحتها نشوب حرب تخلط الأوراق في منطقة غنية بالثروات، البعض قد يرى في هذا الكلام ضرباً من ضروب المبالغة لكن التاريخ يكفي لاستخلاص العبر.