الجميع في ترقب لما ستسفر عنه الجولة الجديدة من المفاوضات بين حماس وإسرائيل في القاهرة، والتي تعلق عليها الآمال في التوصل إلى هدنة قبل شهر رمضان. وفيما تلوح المؤشرات الإيجابية في الأفق مع وجود ضغط تمارسه واشنطن على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جهة، يتزامن معه ضغط من الدوحة على قادة حماس من جهة أخرى، يمكن القول إنَّ قطاع غزة يقترب من الخروج من عنق الزجاجة.

قادة حماس في الخارج أيقنوا مع مرور الأيام والأشهر أن الأمور في داخل قطاع غزة قد خرجت عن السيطرة تماماً، وأنَّ طوفان الأقصى ارتد بنتائج عكسية وسيناريوهات أخطر قد يسجلها التاريخ على الحركة، وأن حرب الشوارع، مهما حصدت من دبابات وفرملت تقدم جيش الاحتلال برياً وعدلت خططه، لن تجبر إسرائيل على التراجع ما دامت تملك القدرة على السيطرة على الأرض بسلاح الجو، وتملك القدرة على الاستمرار بتفويض وفيتو أميركي يعارض كل من يدعو إلى وقف الحرب، وأن الدور الإيراني في هذه الحرب كان أقل بكثير من سقف التوقعات، وأن مناوشات حزب الله الحدودية لا يمكن أن تتحول إلى حرب تفك الخناق عن غزة، وأنَّ أعداد الشهداء فاقت بكثير أعداد الأسرى في السجون الإسرائيلية، وأن تحرير كل أسير يقابله مقتل شخص في غزة.

أيضاً، أيقن نتنياهو أن الصبر الأميركي قد نفد، وأنَّ المهلة التي قدمتها إدارة بايدن لحسم الحرب قد انتهت، وأن استمرار الحرب يشوش على الرأي العام الأميركي في خضم معركة انتخابية بدأت قبل وقتها بكثير، وأنَّ الفيتو الأميركي قد يغيب وتكون تداعيات ذلك أخطر مرتين من تداعيات طوفان الأقصى، وهو ما ستستغله المعارضة للقضاء عليه بما أنه سيصبح ضعيفاً داخلياً وخارجياً، ويدرك نتنياهو بأنَّ رأس الأفعى موجود في طهران وليس تحت أنفاق غزة، وأن مسألة القضاء على أيديولوجية أشبه بمن يركض وراء سراب، لذلك فالأجدر أن يتجه الى هدنة تكون مقدمة لنهاية حرب.

إقرأ أيضاً: ما الذي تبقى من قطاع غزة؟

بعد اتفاق الهدنة، سيسوق نتنياهو لنجاحه باستعادة الأسرى، بالرغم من الثمن الباهظ الذي تكبدته إسرائيل، وسيسوق لنجاحه في جعل ذكرى 7 تشرين الأول (أكتوبر) يوماً أسود في تاريخ الفلسطينيين، بدل أن يكون يوماً للنصر، بينما ستسوق حماس لنصرها المبين على الاحتلال وعلى نجاحها في تغيير معادلة الصراع، وستجعل من اليوم ذاته يوماً وطنياً، شأنه شأن يوم القدس العالمي أو مهرجان "درع القدس". وحتى إيران وحزب الله والحوثيون سيسوقون لفوزهم وإخضاع العدو، لكن سيبقى الخاسر الأكبر هم سكان غزة، وستستمر معاناتهم إلى ما بعد الهدنة والحرب، بعد أن يُسمح لهم بالعودة من خيمهم إلى ديارهم، فلا يجدون مكاناً للعودة ولا للعيش.

إظهار المرونة في المفاوضات من جانب حماس يعني أن يحي السنوار ومن معه من القيادات التي تدير المعركة في غزة، قد وافقوا على أن يكونوا جزءاً من التفاهمات الكبرى التي ستحدث وتفضي بانتقال الهدنة إلى مرحلة الاتفاق النهائي لوقف الحرب. لكن هل سيوافق السنوار على مقترح الممر الآمن الذي يعني خروجه من قطاع غزة كما خرج ياسر عرفات من بيروت عام 1982؟

إقرأ أيضاً: الناتو يتوسع وبوتين أساء التقدير

من السابق لأوانه الحديث عن مستقبل غزة وعن شكل ومضمون الحكومة التي ستتولى ضبط الأمور، لكن ثمة إيحاءات تشير إلى أنَّ السلطة الفلسطينية قد بدأت فعلياً في الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب، وأنَّ لقاء موسكو ما بين الفصائل الفلسطينية قد يكون آخر فرصة لحماس لضمان بقائها في المشهد السياسي الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما سيمكنها من الانسحاب من حكم غزة بحفظ ماء الوجه بدل أن يقال إنها هزمت.