نساء ثكالى، أغنياء فقراء، أطفال بلا مدارس، مقابر وسط الشوارع، ركام ودخان يملأ الأجواء، خيم تنتشر في كل مكان، عراك وسط الطوابير، خوف وجوع وبرد وبكاء، تعابير مؤلمة ومشاهد قاسية تختزلها كلمة واحدة .... "غزة".
قطاع غزة الذي اعتاد دخان الحروب، ضرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 موعداً مع حدث لا يشبه مقدمات الحروب السابقة؛ طوفان أعده يحيى السنوار ليغرق به حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإذا به يتحول إلى موجة تسونامي توشك أمواجه أن تبتلع غزة بمن عليها، أمام أنظار العالم. وبالرغم من المحاولات والجهود الحثيثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فشل الجميع في إيقاف آلة الموت المجنونة.
أربعة أشهر من حرب شوارع لم تتمكن فيها إسرائيل بعدتها وعتادها أن تقضي على حركة محاصرة تتخذ من الأنفاق مركزاً لها، لكن حماس فقدت بالفعل السيطرة على أجزاء عديدة من شمال قطاع غزة، الذي تحول إلى منطقة عسكرية مغلقة تعزلها إسرائيل عن جنوب وادي غزة، في انتظار أن تنضج خطة عودة المستوطنات التي ينادي بها بن غفير ومن حوله من المتطرفين.
إقرأ أيضاً: ياسمين بائعة الشاي
هدنة ثانية تطبخ على نار هادئة في باريس، يقال إنها ستمتد لثلاثين يوماً، ربما ستغتنمها حماس وإسرائيل معاً في إراحة المقاتلين وإعادة تنظيم الصفوف ومراجعة الخطط، في المقابل سيبقى الناس على ما هم عليه منذ أن بدأت الحرب: مشردين بين الخيم والملاجئ المكتظة دون أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم ولا إلى حياتهم الطبيعية. الهدنة ستكون فرصة لالتقاط الأنفاس لأيام معدودة، لكن من دون أن تتمكن من إنهاء المعاناة.
إقرأ أيضاً: استراتيجية نظام الولي الفقيه بين أزمة غزة والأزمات الداخلية
مسلسل المفاوضات بين حماس وإسرائيل مستمر إلى أبعد نقطة يمكن أن يصلها الطرفان: نتنياهو لا يكترث للأصوات المنادية بضرورة تقديم تنازلات لإعادة الرهائن إلى إسرائيل، ولا حماس تكثرت لحجم وهول الكارثة الإنسانية التي حلت في قطاع غزة ولا لعدد الضحايا والشهداء. بالنسبة إلى نتنياهو، فإنَّ التنازلات تعني المخاطرة بانهيار الحكومة والمخاطرة بمنصبه، وبالنسبة إلى حماس، كلما زاد عدد القتلى وازدادت المشاهد قسوة، شكل ذلك ضغطاً على إسرائيل في الخارج يكسب حماس تعاطفاً دولياً يساهم في تغيير نظرة الغرب إليها من منظمة إرهابية إلى حركة تحررية.
إقرأ أيضاً: القضية الكُردية ليست معارضة!
في الميدان، وبعد أن فقدت حماس سيطرتها، تركت الغزيين يواجهون قدرهم بمرارة، وانتشرت مظاهر الانفلات الأمني في أنحاء قطاع غزة، وأصبحت ظاهرة السرقة والسطو المسلح كابوساً يؤرق العائلات بعد انسحاب الشرطة وتحول البعض من عناصرها إلى قطاع طرق، وأصبح المهجرون تحت رحمة تجار الحروب، وبات الحصول على سلعة غدائية يقتضي دفع ثمنها عشرة أضعاف. وبينما يجد الناس أنفسهم في هذا الوضع السيئ الذي فرصه خيار السنوار ومن معه، تخاطبهم قياداتها من الدوحة لتحييهم على الصمود والتضحية.
إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط
انهار كل شيئ، ولم تعد غزة مكاناً قابلاً للعيش، ولربما تحتاج إلى سنين طويلة ومليارات كثيرة لتعود فيها الحياة على الأقل كما كانت قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر). مع ذلك، ستجد حماس التعابير المناسبة لوصف انتصارها الأسطوري على جيش الاحتلال، وستعد بإعادة بناء كل ما دمره العدوان كما وعدت في الحروب السابقة. لكن هل ستتمكن من إقناع الغزيين مجدداً أنها فعلت ما فعلت من أجلهم؟
التعليقات