بعد طول انتظار أعطت أنقرة الضوء الأخضر لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، لتنهي بذلك مسلسلاً طويلاً من الشد والجذب والمناورة بعد أن رضخت السويد لشروط أردوغان في ما يخص نشاط حزب العمال الكردستاني، وقدمت ضمانات أمنية في هذا الصدد، من خلال القانون الجديد لمكافحة الإرهاب، والذي يتماشى مع المطالب والهواجس الأمنية التركية. إلى جانب ذلك، تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعوداً أميركية بتمرير صفقة طائرات أف 16، بالرغم من المعارضة الشديدة التي كان يقودها رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور روبرت مينينديز في قلب الكونغرس.

بعد أن رفعت تركيا الفيتو عن عضوية السويد، ها هي الكرة الآن في ملعب رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، الذي سيمارس بدوره أسلوب المقايضة ويضغط على الاتحاد الأوروبي لإسقاط المطالب المتعلقة بالإصلاحات القضائية والقيم الديمقراطية، نظير الحصول على حزمة المساعدات المالية المخصصة لخطة الإنعاش الاقتصادي ما بعد كوفيد، والتي حرمت منها المجر. هنا يمكن القول إنه، وبفضل الأولوية التي تبديها دول الغرب لمسألة عضوية السويد في الناتو، أصبح أوربان في موقف قوة بعد أن أصبحت موافقته تستدعي من مفوضية الاتحاد الأوروبي غض النظر عن المسائل التي لطالما تذرعت بها لإبقاء 13 مليار يورو كانت مخصصة لدعم الاقتصاد المجري مجمدة.

وبالرغم من أنَّ روسيا كانت مدركة منذ البداية أن عملية توسيع الناتو لن يوقفها الفيتو التركي، وأنَّ أردوغان، الذي لعب دور الحليف المزدوج، لن يصمد طويلاً أمام الضغوط الأميركية والأوروبية، إلا أنها لم تستفد من عامل الوقت الذي قدمه التعطيل التركي لمشروع الناتو، ولم تستطع إحراز تقدم عسكري حاسم ولافت في أوكرانيا، واكتفت بضم مناطق أوكرانية وضعت بحر أزوف بين فكي كماشة. مع ذلك، فإن موقفها التفاوضي يبقى على ما هو عليه، بالنظر إلى أن الأمور لم تجر بتلك السهولة التي تخيلناها جميعاً في بداية الأمر، في مقابل كل ذلك، تمكن الناتو من خلال ضم فنلندا وقريباً السويد من إحكام سيطرته على بحر البلطيق. وإذا ما قارنا ما حققه الناتو خلال السنتين الماضيتين بما حققته روسيا، يمكن ببساطة الحكم على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بأنها كانت عديمة الجدوى، باستثناء أنها حققت توسعاً جغرافياً محدود النطاق لم يكن يستحق كل هذا العناء والفاتورة الاقتصادية الباهظة.

إقرأ أيضاً: الحرب تمتد إلى لبنان واليمن.. و"الفتن" تأتي من الشرق!

سيتعين على روسيا بأن تعترف أنها أخطأت التقدير في الهجوم على أوكرانيا، وأنَّ المعالجة العسكرية لهذا الملف ربما قد تكون سبباً في صرف الناتو النظر عن خطة التمدد في أوكرانيا، لكنه في نفس الوقت فتح الباب لاستبدالها بخطة أوسع وأنجع جيوستراتجياً تشمل ضم السويد وفنلندا، من دون أن يأبه لرد فعل الكرملين، الذي زعم في البداية أنه حرك دبابته نحو كييف لتفادي هذا التمدد، وفي النهاية يبدو أن الغرب قد اصطاد عصفورين بحجر واحد: في حين تغوص روسيا في الوحل الأوكراني بدون فعالية، توشك خطة الناتو على أن تكتمل بعد أن أزاح أردوغان عقبته عن الطريق واستهل الغرب سنة 2024 بنبأ سار سيكون له وزنه على طاولة الحل السياسي.

إقرأ أيضاً: الجيش السابع الذي تخشاه إيران

الدبلوماسية كان بإمكانها فعل الكثير مقارنة بما فعلته العملية العسكرية التي عزلت روسيا عن العالم وأقحمتها في حسابات جديدة ستجبرها على التعايش مع الجغرافيا الجديدة لحلف شمال الأطلسي على مضض، وكان بالإمكان أن تبحث روسيا عن حلول لهواجسها الأمنية بأن تعود لبرنامج الشراكة من أجل السلام الذي كان يجمعها بالناتو، بدل أن تنساق إلى إعادة إحياء الصراع السوفييتي الغربي، الذي كان فيه من الدروس ما لم تستوعبه روسيا بتكرارها نفس الأخطاء وتوقع نتائج مغايرة.

اليوم، وبعد أن أصبحت السويد قاب قوسين أو أدنى من الالتحاق بعضوية الناتو، سيكون بوتين مضطراً لإيجاد إجابة على سؤالين مهمين: ماذا حققت روسيا بعد سنتين من الحرب؟ هل تمكنت من إبعاد الخطر عن حدودها، أم جعلته أقرب؟