لا يختلف اثنان على ان قضية النازحين السوريين تشكل عبئا اضافيا على الوضع في لبنان ،وما لا يعترف فيه البعض ان قنبلة النازحين انفجرت بالفعل منذ اشهر وربما سنوات وتتطاير شظاياها في اتجاهات سياسية واجتماعية واقتصادية عدة .
ان توقيت اطلاق معركة تنظيم الوجود السوري في لبنان تثير زوبعة تساؤلات في بلد درجت عادة السياسيين فيه العمل وفق مبدأ "لكل موقف ثمن ".
عندما تطرح قضية النازحين السوريين تتراءى امامي مشاهد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حين اخترق حشود الغضب الشعبي ابان انفجار مرفأ بيروت عام 2020 ،حرص ماكرون على مقابلة سفيرة لبنان الى النجوم السيدة فيروز كرسالة واضحة الى كل سياسيي لبنان بان فرنسا والمجتمع الاوروبي يقفان الى جانب الشعب ،ولكن ماكرون نفسه توج تحركه في اغسطس من عام كارثة المرفأ بسلسلة اجتماعات مع قوى الامر الواقع ليقول لهم ان مفتاح الحل بايديهم وعليهم التحرك.
اليوم الاتحاد الاوروبي من خلال تعاطيه مع ملف النازحين السوريين في لبنان يعزز قبضة هذه القوى ،ويدفعها للتوافق بشكل او باخر على تنظيم استقبال يليق بطلة المليار دولار. في المقابل يعمق الازمة على حساب الشعب اللبناني اولا ،والمتاجرة بمستقبل مئات الالاف من النازحين السوريين ثانيا. قوى الامر الواقع تسعى الى ركوب جسر معاناة اللبنانيين والنازحين السوريين للوصول الى منصة "القبول" الاقليمي والدولي،في ظل غياب اية مؤشرات جدية لانتخاب رئيس للجمهورية.
الواقع ان المواطن اللبناني كما النازح السوري ضحيتا انهيار الدولة في لبنان. وكلاهما يدفع فاتورة العقوبات الدولية على سوريا بشكل او بآخر.
البنى التحتية في لبنان في حالة اهتراء ،وساحات العمل بالكاد تتسع لابناء الوطن والتعامل مع اكثر من مليون نازح سوري لا يكون بالشعارات والمواقف المؤججة عنصريا وطائفيا وعرقيا. بل عبر تشكيل هيئة عليا مشتركة بين الدولتين ،تحظى بالثقة ،تمتلك صلاحيات تنفيذية ،وتكون اولى مهامها التحرك اقليميا ودوليا لتامين بيئة آمنة تمتلك الحد الادنى من مقومات العيش الكريم في سوريا. وهذا امر جوهري صعب المنال في ظل العقوبات الدولية المفروضة على سوريا.
في تقديري من هنا تبدأ الخطوة الاولى في مسار الحل الجدي لازمة النازحين السوريين وما عدا ذلك مجرد شعارات تصدح في ارجاء المصالح الضيقة. الحلول الترقيعية تعمق الازمة يوما بعد آخر. ومئات وربما الاف الجمعيات الاغاثية التي خرجت من رحم الواقع ،تعتاش ومن يقف وراءها على "حنفية" الدعم.
لماذا تخفي المنظمات الدولية عن المؤسسات المعنية في لبنان اعداد السوريين ؟! ولماذا لا يتم تصنيفهم الى فئات ؟كي يتم تسهيل عودتهم وفقا لمنطق المناطق الامنة وغير الآمنة.
الاشقاء السوريون مكانهم الطبيعي في وطنهم لا ان يركبوا امواج الموت او جبال المغامرات نحو اوروبا كما هو حال الكثيرين منهم ،واذا كانت اوروبا قلقة من قوافل الهجرة انطلاقا من لبنان فان الاولى ان تدرك وتعمل وفق المنطق الانساني السليم الا وهو تأمين بيئة الامان والعيش الكريم في بلادهم فمن هنا فقط تكون اولى خطوات رحلة حل ازمة النزوح السوري الى لبنان.
التعليقات