إعلان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، قبل أيام دعم المملكة فكرة نشر قوات دولية بقرار أممي بقطاع غزة، لدعم السلطة الفلسطينية بالسيطرة على القطاع الذي يشهد حرباً مدمرة منذ تسعة أشهر، أتى في سياق مقاربة واقعية تقودها المملكة لفرض حلول فاعلة تنهي الحرب، حقناً لدماء الشعب الفلسطيني في القطاع، وحفظاً للأمن، وتنظيماً للمساعدات الإنسانية، ومنعاً للفوضى في اليوم التالي للحرب، تمهيداً لإيجاد حل شامل للصراع المستمر يؤسس لدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967.
الإعلان السعودي لم يجد قبولاً عند الإيرانيين الذين حركوا سريعاً أدوات محورهم، لا سيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لمعارضة الإعلان ومهاجمة المملكة عبر قنواتهم الإعلامية، فنشر قوات دولية في القطاع سينهي جيوب سيطرة قوات حماس المبعثرة في أرجاء غزة، كميليشيا مسلحة، مما يعني بالضرورة فقد طهران إحدى أهم أوراق نفوذها في الشرق الأوسط.
اعتراض حركة حماس على الإعلان السعودي لم يحقق مبتغاه، ولم يلق سمعاً في آذان الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة بالصراع القائم، والتي تدرك اليوم معطيات انهيار قوات الحركة وحجم خسائرها في غزة، وهو ما تدركه أيضاً إيران، حيث أصبح خروج حماس من المعادلة السياسية الفلسطينية والإقليمية مسألة وقت بعد تمسك حكومة اليمين الإسرائيلي بالذهاب بالحرب إلى أقصى مداها نحو القضاء على الحركة.
وكون واقع حماس في غزة لا ينفصل عن واقع حزب الله المنهار في جبهة جنوب لبنان، دفع ذلك طهران إلى الضغط على حماس لتقديم تنازلات في سبيل تنفيذ اتفاق الهدنة الذي قدمه الرئيس الأميركي جو بايدن، لإنقاذ جبهات محورها التي تشهد تصعيداً إسرائيلياً نال من قادة وعناصر ميليشيات محورها.
إقرأ أيضاً: صراع خفي على مركز الوسيط الأول في حرب غزة
إيران تريد الحفاظ على نهج الفوضى عبر ميليشياتها وأدواتها في الشرق الأوسط، وهو ما يتعارض مع ما تطرحه الدبلوماسية السعودية من إيجاد حل شامل يفرض السلم والاستقرار في المنطقة.
المقاربة السعودية لحل الصراع لاقت قبولاً ورواجاً على المستويين العربي والدولي، ومسارها الجاد يأتي انسجاماً مع ترتيبات سياسية تكون فيها المملكة شريكاً أساسياً من خلال اتفاق متعدد الأوجه مع الولايات المتحدة يعطي الفلسطينيين دولتهم المستقلة مقابل علاقات مع إسرائيل.
إقرأ أيضاً: مؤامرة السابع من أكتوبر الكبرى
سلوك الحوثي وتهديداته الفارغة.. بضرب مطارات وبنوك وموانئ المملكة، يأتي في إطار سلوك باقي ميليشيات إيران في المنطقة، فالحقيقة أن الحوثي لا يملك من أمره بأن يهدد دولة بحجم ومكانة السعودية إلا بضوء أخضر من طهران ونظامها الساعي للهروب من أزمة جبهتي غزة وجنوب لبنان بنقلها إلى المملكة، المُتنبّه للسلوك الإيراني الذي لن يستقيم في سبيل تحقيق أجنداته التوسعية في المنطقة.
إيران اليوم تنظر بقلق إلى خطوات الدبلوماسية السعودية التي تدفع نحو تحقيق مسار إنهاء الحرب بتسوية تتخطى إيران ومحورها وتضعف كثيراً من نفوذها، فإن كان الهدف من السابع من تشرين الأول (أكتوبر) قطع الطريق أمام خطوات التقارب السعودي – الإسرائيلي، كما ادعت حماس في حينه، فاليوم يأتي تهديد الحوثي بأوامر من طهران، لقطع الطريق أمام تحركات المملكة لإيجاد تسوية سياسية والمؤيدة من المجتمع الدولي، في رسالة إيرانية بأن أي حل إقليمي أو دولي يجب أن لا يتجاوزها بالمطلق.
التعليقات