فعلت فرنسا كل ما يمكن تخيله على المستوى القانوني، وفيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والثقافية والدينية والعرقية، لكي تغلق الأبواب في وجه التطرف فأصبحت هي "المتطرفة".. إنها معادلة تثير الجنون.

منع الرموز الدينية
نتذكر جميعاً قانون منع الرموز الدينية، لأتباع الديانات اليهودية والمسيحية وكذلك الإسلام، وهو قانون يجسد في ظاهره على الأقل (قمة العدالة والمساواة) في مجتمع يزهو بعلمانيته، فلا صليب ولا أي رمز ديني يهودي أو إسلامي.

افطار اللاعب المسلم!
وفي مباريات كرة القدم بالدوري الفرنسي، وبالرغم من احتضانها العدد الأكبر من المسلمين مقارنة مع دول أوروبا، إلا أنه تم اتخاذ القرار بعدم إيقاف المباريات في شهر رمضان من أجل منح اللاعبين فرصة للإفطار، في الوقت الذي يتم تطبيق هذه القاعدة في دوريات أوروبا الأخرى، سواء في ألمانيا أو انجلترا، وكذلك اسبانيا وغيرها، حيث يتم إيقاف المباريات لعدة دقائق إذا صادف ذلك وقت "المغرب (توقيت "كسر الصيام"، لكي يكسر اللاعب المسلم صيامه).

وفي تبرير هذا القرار، قال الفرنسيون إنَّ ايقاف المباريات من أجل فئة معينة (اللاعبون المسلمون) هو عمل تمييزي بامتياز، ويجب ألا تحصل فئة ما في المجتمع على أي ميزة بناء على هويتها الدينية.

غضب العشاء الأخير
والآن، في دورة باريس الأولمبية، أصبح العالم أجمع يدرك ماهية العلمانية الفرنسية، ولكن هناك ما يشبه الصدمة من فرط تطرف العلمانية الفرنسية.

الفرنسيون يعتقدون أنهم سوف يحققون نجاحاً في مواجهة التطرف الديني، بالتطرف العلماني؛ فقد بالغ الفرنسيون في إهانة الإرث التاريخي والعقائدي للمسيحية، وذلك من خلال تجسيد فكرة لوحة العشاء الأخير، وقد حدث ذلك ضمن فقرات افتتاح الأولمبياد الجمعة، الأمر الذي أثار سخطاً عالمياً كبيراً على المستويات كافة، سواء من المرجعيات الدينية أو السياسية، وكذلك الاقتصادية على المستوى العالمي، فهناك الكثير من المسيحيين الذين شعروا بالمرارة من "الفعل الفرنسي".

لا للحجاب
وكذلك منع الفرنسيون بطلات الأولمبياد (اللاعبات الفرنسيات) من ارتداء الحجاب، وقد يكون لهذا القرار مبرر ظاهري يتمثل في أنه يشكل خطراً في المنافسات الرياضية، ولكنه أثار جدلاً وغضباً، والجميع يبحثون عن حلول بديلة للحجاب.

ملخص القول إنَّ فرنسا تدفع ثمناً باهظاً لمبالغتها في إظهار علمانيتها، إلى حد أن الأمر يوحي برفض فكرة الدين بصفة عامة، في الوقت الذي يدرك غالبية البشر أن الدين يعد من أهم مكونات الشخصية والهوية على مدار التاريخ.

نعم يحق لكل دولة أن تكون أكثر قرباً من فكرة المجتمع المدني وليس الديني، وأن تعمل على كل ما يعزز ذلك، وسوف يكون النجاح حليفها، شريطة عدم محاربة الدين، فالدول التي ستذهب بعيداً في علمانيتها مثل فرنسا سوف تجد نفسها في مواجهة تطرف وتطرف مضاد طوال الوقت.