كسابقاتها من جولات المصالحة، عقدت الفصائل الفلسطينية اجتماعًا لها في العاصمة الصينية بكين، وكالعادة خرج بيان صحفي صادر عن الاجتماع بذات المفردات والخطاب المستمد من بيانات الاجتماعات السابقة.

في الشرق الأوسط، وخاصة في البلاد التي يتغلغل فيها النفوذ الإيراني، يكون الحوار بين الأطراف والأحزاب السياسية لا معنى له. فتجربة الحوار بين الفرقاء السياسيين في لبنان بعد حرب تموز عام 2006 فشلت أمام سياسات ومساعي حزب الله التي هدفت إلى السيطرة على مفاصل الدولة لتحويلها إلى ورقة بيد النظام الإيراني لتحقيق أجنداته ومصالحه.

ومثل لبنان، كان العراق، حيث تكرّس نظام طائفي يخدم ذات النظام ومصالحه، بعد أن استغل وجود الاحتلال الأميركي ليكون بديلًا له بميليشيات طائفية استحوذت على قرار العراق ومصيره. وكذلك اليمن، الذي سخّره الحوثي من خلال الصراع الداخلي بعد سقوط الرئيس علي عبدالله صالح، وانعكس ذلك على استقرار منطقة الخليج العربي خدمة لنظام الملالي في طهران.

على الساحة الفلسطينية، قادت إحدى أدوات إيران، حركة حماس، انقلابًا دمويًا أدى إلى مقتل 700 فلسطيني عام 2007، فانسحبت السلطة الفلسطينية من القطاع، وجمّدت حركة فتح نشاطها منعًا لإراقة المزيد من الدماء الفلسطينية.

وبعيدًا عن تداعيات هذا الانقلاب، واستغلال إسرائيل، خاصة منظومة بنيامين نتنياهو اليمينية، له في إحباط إقامة الدولة الفلسطينية على مدى العقدين الماضيين، خاض الفلسطينيون حوارهم العقيم بتهرّب مستمر من حركة حماس من استحقاقاته المتمثلة بتسليم القطاع للسلطة الفلسطينية، وإنهاء حكمها الذي كان مسلطًا على رقاب الشعب الفلسطيني في غزة بالحديد والنار، وجلب عليهم حروبًا أعادت القطاع إلى عصور الظلام، كما أعاد حزب الله لبنان، والحوثي اليمن، والميليشيات الإيرانية العراق وسوريا آلاف السنوات إلى الوراء.

إقرأ أيضاً: تهديد إيراني عبر الحوثي باستهداف السعودية

اليوم تدرك جميع الأطراف مرور حماس بأزمة وجود وبقاء، فالحرب نالت من عناصرها وقواتها، وتنامى عجز قياداتها في الخارج عن إيجاد تسوية تُبقي حكمها للقطاع، وقصور استراتيجيات طهران في إنقاذ محورها من خلال منع اتساع رقعة الحرب، وضعف الوسطاء أمام التعنت الإسرائيلي والانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، جعلت الحركة تتجه مضطرة نحو الداخل الفلسطيني لإيجاد مسار سياسي عبر مصالحة فلسطينية تحقق لها تمثيلًا شرعيًا وتواجدًا مقبولًا بالحد الأدنى بعد انتهاء الحرب.

بالعودة إلى البيان الصادر من بكين حول اجتماع الفصائل الفلسطينية، الخالي من آليات وإجراءات حقيقية لتنفيذ بنوده فيما يتعلق بدخول حماس إلى منظمة التحرير وتشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني، فإن بيانات المصالحة السابقة استخدمت ذات اللغة والعبارات الرنانة، وبقي حال الانقسام كما هو. فليس مطلوبًا تدوير جولات مصالحة لخلق نموذج استهلاكي منها يدفع لإنتاج نظام محاصصة بين الفصائل الفلسطينية، بل المطلوب إنهاء الانقلاب بتسلم السلطة قطاع غزة تمهيدًا لمعالجة ملفات تداعيات الحرب، وهو ما سيشكل أرضية صلبة للبدء بعملية سياسية تنتج عنها انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني.

إقرأ أيضاً: نتنياهو الراقص على حبال الحرب والسياسة

إذا كانت حماس صادقة في نواياها بالتوجه نحو الداخل الوطني الفلسطيني بمصالحة حقيقية، يجب أن تقطع الطريق أمام مخططات اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو، بالحفاظ على الكيانية السياسية الفلسطينية، والابتعاد عن فلك الأجندات الإيرانية، والتجاوب مع ما تطرحه السداسية العربية في سبيل وقف الحرب. يجب عليها عدم انتظار ما ستحمله الأيام القادمة خاصة مع ازدياد فرص عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإبقاء الرهان على مستقبل مجهول مبني على حسابات أدوات المحور الإيراني لتحسين رؤى أو شروط التفاوض لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، سينتج نظامًا سياسيًا فلسطينيًا مشوّهًا لن يحقق تطلعات الشعب الذي دفع ثمنًا كبيرًا في سبيل تحرره بدولة مستقلة.