كامل الشيرازي من الجزائر:اعتبر متابعو الفن الرابع في الجزائر، ما اقترحته مسرحيتا quot;دار برناردا ألباquot; وquot;المغارة المتفجّرةquot;، من تشاكيل وتطبيقات درامية جمالية متفردة بمثابة منعرج حاسم وإشراقة سيكون لها أثرها على أفق المسرح الجزائري الجديد، من حيث رواج المسرحيتين المذكورتين اللتين تعرضان للعام الثاني، ومراعاة طواقمهما لعناصر الفرجة الحديثة المنتصرة لكل ما هو لا مألوف ومتجدد وتجريبي في النص والعرض المسرحيين، خلافا لعروض سابقة سقطت في مستنقع الاستعراض والاجترار.النسبة لمسرحية quot;المغارة المتفجّرةquot; المقتبسة عن رواية الأديبة الجزائرية يمينة مشاكرة، ينتمي العمل الذي أخرجه أحمد بن عيسى، إلى نوع quot;الدراما السيكولوجيةquot; التي يتطور فيها الفعل المسرحي عبر خطاب سكيزوفريني عصابي يحلل كينونة أنثى تسعى إلى خلق عالمها الخاص، وتمر أثناء ذلك بحالات نفسية مختلفة في سبيل التعبير عن ذاتها وتموقعها كشخصية رئيسة في مجتمع ذكوري يتداخل فيه الواقع والخيال الى درجة الجنون، ويتشكّل الأخير كعقلانية تتشكل وتنمو داخل عالم حرصت شخصياته التي جسدتها quot;ليندا سلامquot; وquot;مليكة بلبايquot; وكذا quot;علي جبارةquot;، على رسم واقع حياتي يتلوى بكتابة صمت موصول.
quot;المغارة المتفجّرةquot; حفلت بتناغم بين اللغة الموسيقية والصورة في نصها الأصلي، ولم يول العمل أهمية لعاملي الزمن والمكان، بينما حرصت يمينة مشاكرة وهي طبيبة نفسانية التي كرست حياتها المهنية والأدبية لقضية المرأة، على الجمع بين الواقع والحلم في عالم تلاشت فيه الحدود وأصبح الإنسان في مواجهة نفسه في حيز يختلط فيه الماضي بالحاضر.
ووفق خطية اعتمدت شعرا تراجيديا كصرخة كبيرة في زمن منكوء، سعى طاقم المسرحية إلى النسج على منوال الدراماتورج العالمي الشهير quot;أنتونان أرتوquot; ومنهجه الفني في التحليل النفساني للشخصيات، باعتبار أنّ كل ما يتلقاه المخ ينعكس أتوماتيكيا على الجسد.
وعلّق مخرج العمل أحمد بن عيسى، أنّه وجد نفسه أمام نص استثنائي، دفعه إلى ترك الحرية للممثلين الثلاثة في تقمص واستقراء الشخصيات، وقال إنّه بحكم خصوصية الكتابة الركحية، لجأ إلى إضافة شخصية ثالثة هي ظل المرأة علما أنّ النص الأصلي انبنى على شخصيتين.
على صعيد المؤثرات، اختار الطاقم التقني التكثيف من الاستعمال الضوئي كسند لدعم الترتيب الدرامي في كل حالاته الشاعرية، فيما تأرجحت السينوغرافيا بين عالمين أحدهما خيالي والآخر واقعي، تحت إيقاع موسيقى تراثية مركّبة.
من جانبها، مثلت مسرحية quot;السطح والنجوم و الحروف... ساهرةquot; للكاتبة الجزائرية فوزية لارادي، هذه الأخيرة اقتبست النص عن رائعة الشاعر الاسباني الشهير فيديريكو جارسيا لوركا، تموقعت كتركيبة مسرحية مبتكرة انبنت على ما يُعرف محليا بـ(تراث البوقالة) وهي لعبة شعبية متوارثة مبنية على أشعار جميلة رباعية التركيبة، تشكل جزءا من ثقافة وأصالة الجزائر العريقة.
المسرحية التي أخرجها quot;سيد أحمد قارةquot; واشتركت فيها كوكبة من الفنانين البارزين أمثال: بهية راشدي، فتيحة بربار وعايدة كشود إلى جانب نجوم شباب، خرجت من نطاق الركح المنغلق وهدّمت الجدار البريشتي، بحيث تدور أحداثها وسط عرس جماهيري بهيج، وإمعانا في الاشتغال على سيكولوجية الطبوع والصور التقمصية، حمل العمل كما هائلا من الأدوار والقيم التي ركزت على إبراز معالم الحياة (البائدة ) في الجزائر، وتواجدها اليوم رهينة لشبح الزوال.
وفي سياق (تأثيثها) لرحلة البحث، تحرص المسرحية على صدم المتفرج بسوداويتها وquot;تعريتهاquot; لمشاعر الغيرة والخوف والشوق والوجع، بجانب طرقها لفوبيا البيت الجزائري المغلق الأوجه والمتشح بداعي الحزن والركود المتواصل، ما يولّد كتلا من المشاعر والأحاسيس المتناقضة المتولدة عن الكبت والحرمان السائد هناك، وهو ما جعل المشاهدين يخرجون منتشين رغم الصدمات الرهيبة التي يتلقونها في ذروة كل عرض.
- آخر تحديث :
التعليقات