'ترويض الروح' هو عنوان معرض يقام حاليا في إحدى الصالات المتخصصة في الفن الأفريقي في لندن للفنان المصري، فتحي حسن، الذي يوصف اليوم بأنه من أهم الفنانين الأفارقة المقيمين في الغرب.
غادر حسن بلده مصر منذ أكثر من 45 عاماً حاملا بداخله ذخيرة إبداعية صنع بها أعمالا استحضر فيها أصوله النوبية.
ولعل أول ما يخطف الأبصار في أعماله هو تلك التكوينات الجمالية بألوانها الداكنة، ثم الأشكالُ والرموز العائمة.
لوحاته محملة بكلمات تبدو متناسقة ولكن عند التدقيق فيها نجدها طلاسم غامضة.
يقول فتحي حسن إنه يعد الحرف بمثابة "كلمة سرية تكون في أوج قوتها عندما لا يتمخض عنها نص مفهوم". فهو يريد من المتأمل في لوحاته أن يرتّب الحروف كما يرى ليصنع منها كلماته الخاصة. الحرف 'ليس بالأمر الهين' حسب تعبيره، 'حتى لو كوّنتُ كلمة، فلا أضعها في جملة'.
لوحتان نادرتان لا يُعرف من رماهما على قارعة الطريق
لوحة صغيرة لدافنشي تباع في مزاد بسعر قياسي وصل إلى أكثر من 12 مليون دولار
المفارقة هي أنه عندما خرج عن تلك القاعدة، أثارت كلماته المكتوبة ردود أفعال حادة داخل أوساط الفن التشكيلي وخارجها.
ففي عام 2012 كان معرضه الذي أقامه في بيروت يحمل شعار 'عروبة وإعراب'، ما أثار حفيظة القيّمين على المعرض بدعوى أنه محمل بدلالات سياسية أو قد يلمح إلى أنظمة محددة. فما كان منه إلا أنه رسم جدارية على المبنى تحمل العبارةنفسها!
وقبل ذلك في عام 2010 ، كان قد عرض في قاعة 'روز عيسى' المعروفة آنذاك في لندن مجموعة حملت شعار 'حرام عليكم'، وكانت بمثابة 'صرخة استياء' مما آلت إليه الأوضاع في المنطقة العربية بعد سنوات من 'الظلم والطغيان' حسب قوله.
العثور على لوحة لبيكاسو بعد 9 سنوات من سرقتها
نسخة طبق الأصل من الموناليزا معروضة للبيع بما يصل إلى 300 ألف يورو
إرث التجربة النوبية
فقدان المعنى في الكلمة المكتوبة يحيلنا مباشرة إلى أصول فتحي حسن النوبية إذ تظل اللغة النوبية اليوم منطوقة بالأساس بعد أن اندثر شكلها المكتوب منذ قرون.
إضافة إلى ذكرياته الشخصية في أرض أجداده، يستحضر فتحي حسن في أعماله التجربةَ الجماعية لأهل النوبة الذين اضطروا خلال القرن الماضي لهجر جزء كبير من أراضيهم بشكل نهائي بعد أن غمرتها مياه النيل جراء بناء السدود المتتالية من عام 1902 إلى عام 1970.
يقول فتحي حسن إنه استشعر منذ طفولته مدى الحزن الذي كان بداخل من هاجروا من أراضيهم، وإن كثيرين منهم لم يتمكنوا من التأقلم على التغيرات التي طرأت على حياتهم.
عندما غادر فتحي حسن مصر في أواسط السبعينيات لدراسة الفن في إيطاليا، أدرك أن ما يميزه عمن حوله في الغرب هو تشبعه بذلك الموروث الإبداعي الأفريقي.
رسما عليها بالخطأ... زائران يشوهان لوحة تبلغ قيمتها نحو 500 ألف دولار
حكاية عملة الملك فاروق "سيئة السمعة" وعمليات استخباراتية وملايين الدولارات
'أفريقي سقط من السماء'
خواطره حول تجاربه وهويته المركبة التي تشكلت بين مصر وإيطاليا على مدار السنين اختزلها في صورة قصص شعرية قصيرة صدرت عام 2014 تحت عنوان 'أفريقي سقط من السماء'.
في عام 1988 كان أولَ فنان يمثل القارة الأفريقية في بينالي فينيسيا، أحدِ أعرقِ المؤسسات الفنية في العالم. ومنذ ذلك الحين أصبح يشار إليه كفنان أفريقي بامتياز ودُعي عام 2005 لإنجاز أعمال للمتحف الوطني للفن الأفريقي في واشنطن بالولايات المتحدة كما أن المتحف البريطاني ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن اقتنيا بعضا من أعماله.
يؤكد حسن أن وجوده في الغرب أتاح له مساحة لتشكيل هويته وحرية في التعبير عن ذاته لم يكن ليجدها في منطقة أخرى من العالم.
لوحة 'المارد المسيطر' المعروضة حاليا في لندن تمثل كائنا جباراً يجتاح المشهد في زحف بطيء، مخلفاً وراءه نسله المرتقب الذي سيكمل مسيرته المدمرة من بعده.
"نسخ فنية" من كورونا تغزو الساحة العربية عبر منصات إلكترونية
غرافيتي "فتاة الهولا هوب" بتوقيع بانكسي
قال حسن إنه تعمد عدم إظهار رأس المارد في اللوحة للإشارة إلى الهويات المتعددة التي يمكن أن يتخذها. 'قد يمثل دولة أو حاكما مستبداً أو شركة كبرى أو ربما هو بداخلنا!'
https://www.youtube.com/watch?v=DycbYyHA_pQ
هذا التحليل يعكس ما يدور في وجدان فتحي حسن. ولكنه يقول أيضا إنه بمجرد الانتهاء من إنجاز لوحاته، يضعها رهن عين المشاهد ليبث هو فيها حياة جديدة من وحي خياله.
التعليقات