إيلاف من الرياض: أمل الفاران قاصة، وروائية سعودية، عملت في مجال الكتابة للعديد من الجرائد من بينها "الجزيرة" و"الشرق"، وتنوعت مقالاتها في شتى المواضيع كالثقافة، وقضايا المرأة، والأدب.

نُشرت لها ثلاث روايات، ومجموعتين قصصيتين، والعديد من القصص القصيرة. وترشحت الفاران لجائزتين ادبيتين من دولة الإمارات العربية المتحدة، ألا وهم جائزة الشارقة للإبداع العربي عن رواية ”روحها الموشومة به“ عام 2004، وجائزة الشيخ زايد للكتاب عن رواية ”غواصو الأحقاف“ عام 2019.

بدأت هذا العام في تجربة جديدة وهي الكتابة الدرامية فكتبت مسلسل "الزاهرية" العمل السعودي الأبرز هذا العام والذي يتناول فترة زمنية مابين السبيعنات والثمانينات الميلادية وناقش العديد من القضايا الإجتماعية في تلك الحقبة.

للفاران العديد من المشاريع والتجارب الأدبية التي تستحق الحديث وتثير العديد من الأسئلة، في هذا الحوار نحاول تسليط الضوء بشكل أكبر على الزاهرية، وما الذي استفزها لكتابته.

كروائية خبيرة مالذي أغراك لعمل الزاهرية والعمل في الدراما التلفزيونية؟
سأخبرك بعبارة سمعتها من مخرجة سعودية، قالت: كنت أعنى بنقد الدراما السعودية كلما استطعت، ثم بدأت العمل ومنذ ذلك الوقت لم أعد أجرؤ على انتقاد أي جهد. الحقيقة إن فكرة الكتابة للدراما لم تكن حديثة، هي فقط بدأت تلح أكثر في السنوات الأخيرة، وكان الهاجس مشابها لكلام المخرجة السابق فأنا لدي العديد من الملاحظات والتحفظات على ما يقدم للسعوديين أو باسمهم في التلفزيون وفي السينما وكان، الهاجس هو أنه بدل انتقاد المطروح لم لا أحاول كتابة شيء، فإما أن أقدم ما يرضي أمل المشاهد أو أقتنع بأن المعروض مقبول جداً في ضوء ظروف لا يعرفها إلا من عايشها.

الزاهرية هل هو حنين لذكريات لن تعود أو توثيق لمراحل مضت ؟

الاثنين وأكثر؛ بشكل شخصي هو الحنين والتوثيق: عام ٧٨ كنت في الخامسة من عمري وقد عادت أسرتي من الكويت لديرتنا السليل ولن أنسى أبدا الدهشة التي ملأتني بها تفاصيل المكان المختلف كليا عن ما تركته خلفي.. لذا فإنني حين قررت كتابة عمل درامي شعرت أن علي الرجوع لتلك اللحظة لأرمم ذاكرة طفولتي، لأستعيد ألوانها ووجوه أهلها وتفاصيل حياتهم.. أردت - وهذا أهم - إعادة خلقها بطريقة تبدو ذات مغزى.. وهذا ما أعطتني إياه الزاهرية ببيوت الطين وذهب النساء- الذي بدا لي كطفلة- مبالغاً فيه، ونتف نقاشات الرجال التي لا أفهمها، طقوس البخور والأناشيد ثم النخيل.. النخيل الذي هو شريان الحياة في البلدة. ومن جهة فنية، فترة السبعينات في السعودية مغرية جدا لإعادة الإكتشاف أدبيا أو فنيا (أدبيا فعلت ذلك مرة واحدة في رواية حجرة وأتمنى أن أكررها في أعمال أخرى، وها أنا أفعله فنيا في مسلسل الزاهرية).

الجميع أشاد بالتفاصيل المعروضة في في المسلسل كمشهد من الانشاد في السيارة أثناء السفر أو مساندة رزنة في العرس. أو البخور الذي قامت نسوة الحي بإعداده .. البعض أشاد بهذه التفاصيل والبعض الآخر يراها أنها كانت هي الأساس بعيدا ً عن قصة المسلسل؟

كنت سمعت أكثر من رأي من مهتمين بالدراما ترى أن "الزاهرية" كنص أقرب لروح السينما منها للمسلسلات حيث أن المسلسلات هي التي تحتفي بالأحداث بينما تحتفي السينما بالتفاصيل.. لكني أرى تجسيرا للفجوة بين المسلسل والفيلم: تقليل عدد الحلقات، زيادة مدة الحلقة، تصوير المسلسلات بتقنيات سينمائية، التركيز على الصورة بشكل أكبر.. فلماذا لا تكون التفاصيل محاولتي لفعل شيء مختلف؟

وتستدرك: "سألتني سؤالا وسأسألك أنا: ما القصة في الزاهرية؟ يجب أن نجيب عن هذا السؤال لنعرف إن كانت التفاصيل مهمة أو معيقة.."

وتكمل: "الزاهرية عدسة مكبرة مسلطة على حي صغير من عدة بيوت تستدير حول سدرة ومن يخرج من الحي من أبنائه يظل مربوطا بحبله السري للحي ومن يدخل للحي وما فرص انتمائه له؟ كل ذلك في زمن مختلف كثيرا عما نحياه اليوم. أنا أزعم أن التفاصيل في الزاهرية هي القصة وأيضا أنا لست كاتبة القضايا الكبرى المجلجلة ولا أريد أن أكون، ما سأقدمه لك هو ملامح إنسان الهامش وتفاصيل حياته وقدمتها من خلال مرحلة كانت تتغير بسرعة شديدة جدا، ففي أوائل الثمانينات كل هذه التفاصيل اختلفت

الكتابة الروائية تختلف اختلافاً تاماً عن التلفزيونية من ناحية البناء الدرامي وطريقة السرد؟

تقصد كوني قادمة من عالم الرواية ميزة أم عيب؟ هذا عملي الأول وقد اجتهدت فيه. هناك فوارق بين الأدب والدراما كنت واعية لها قبل الكتابة وفوارق حاولت التنبه لها أثناء الكتابة، وهناك تقييم المشاهدين للعمل وهذا مرشد جيد لي اليوم، وتقييمي أنا كمشاهدة بعد أن انفصلت عن العمل. آمل أن يساعدني ذلك عند كتابة النص التالي.

معروف انك كنت حريصة على التواجد والعلم بكل التفاصيل، البعض يراه ليس دور الكاتب بمعنى أن دوره ينتهي بنهاية كتابة النص؟

أستغرب سؤالك هذا يا أحمد، حتى أنا البعيدة ( قبل الزاهرية ) عن الدراما وكواليسها أعرف أن أخطر مرحلة تختبر العمل الدرامي هي مرحلة التنفيذ، وأنه رغم كل ما يقال عن ندرة النصوص أو ضعفها فإن ما يرفع العمل أو يسقطه هو التنفيذ.

ما وصلني منذ لحظة وصولي لموقع التصوير ولآخر لحظة كان الإشادة من نخبة ممثلي العمل، فمنهم من عبر لي عن ذلك شخصيا، ومنهم من عبر عنه في حواراته هنا وهناك أو في السوشال ميديا، وأنا أعرف أيضا كيف أن وجودي كان مطمئنا لطواقم الإنتاج والإخراج وقد عبروا لي أنه طمأنهم كثيرا على سير عملهم وسهّل عليهم العديد من القرارات أثناء التجهيز أو التصوير.

قد يقنعك هذا أو تقنعك حكاية؛ فقبل بدء التصوير تلقيت ثلاث نصائح في أسبوع واحد من ثلاثة كتاب سيناريو سعوديين بأن أتابع عملي أو أنساه كلية كي لا أغضب من النتائج التي قد تكون مخيبة. لدينا في السعودية توثب رسمي وشعبي لنهضة فنية كبيرة، ولدينا إمكانات مادية عالية، ومواهب تمثيل لا تقل عن مثيلاتها في الوطن العربي ومع ذلك فنحن من نحن في خارطة التنافس على المشاهد المحلي ناهيك عن الوصول للآخر.

طرحت في المسلسل عدة قضايا كالإختلاف الطبقي بين الأسر وكذلك دخول المدارس التي واجهت رفض مجتمعي ديني.. في المسلسل تم طرحها بهدوء وسلاسة وكان من الممكن أن تكون قضية رئيسية.. ؟ كيف كبحت جماح هذه الفكرة التي قد تكون مغرية لك ككاتبة؟

كبحتها كما كنت أكبحها في الرواية، أنا كاتبة حريصة دائما على أن يكون الفن أولا والفن آخرا والفن فوق كل شيء.

القضايا مغرية فهي تصنع إثارة والإثارة تجلب متلقين أكثر، والأعداد دائما مقياس نجاح معتبر..

ما أقصده هو إني أعرف حجم الخسارة ( إن شئت تسميتها خسارة )التي أتكبدها بالبعد عن شحن شخصياتي بنَفَس خطابي، لكني أزعم إني بذلك أمنحها حياة أطول في وجدان المشاهد فهي صالحة للتلقي اليوم وغدا وبعد سنين..

أظن إن ميل كتاب آخرين للخطابية وإبراز مواقف تقدمية ناتج عن ضعف وخفوت الأصوات في مساحات التعبير في الساحة المعرفية فيعتقد الفنان أن دوره سد الثغرة.. يجب أن أتوقف عن الاستطراد هنا فهذا أيضا ليس شغلي.

• التواجد النسائي في المسلسل كان مميزا من خلال الإلتزام بالنص واللهجة هل تدخلت في اختيار الممثلات؟

طبعا فأنا عملت مع منتج مثقف ومع شركة إنتاج محترفة ولها تجربة كبيرة.. أي أني كنت مع أناس يعرفون أن وجود الكاتب ورأيه في أي قرار مرتبط بالعمل سيرفع مستواه.

الأهم هو أن الممثل والممثلة السعوديين وصلا لمرحلة نضج جميلة في أدائهم ومهنيتهم والتزامهم.. لقد شهدت بنفسي تفانيا وتنافسا في الإجادة أحمد ربي عليه وأشكرهم جدا وأقدّر كل ما بذلوه في وقت ضيق وظروف مناخية صعبة ومشاهد كثيرة لليوم الواحد وتنقلات متعددة ويوم تصوير طويل مرهق الممثل السعودي فنان يحترم رسالته وزملاءه، يحفظ لكل فرد في موقع التصوير حقه.

• المكان شارك كبطل أساسي في العمل.. كيف أحييتي ذلك من خلال نصك الذي كتبته

سنعود للتفاصيل التي ذكرتها أنت في سؤال سابق وتشككت في أهمية حضورها.. بينما هي التي أحيت المكان، لا يمكن مثلا أن تقبل مشهدا يضرب فيه شامان ومترك حبيب ابن مسعود لو لم تشاهد رجال الحي على نفس الحصير ليلة بعد ليلة في المسلسل يأكلون من إناء واحد، ولا يمكن أن تفهم قدرة رزنة وبدرة على دخول سوق المساهمات العقارية لو لم تر الذهب الكثير عليهما، الشواهد كثيرة على كون المكان بطل وفاعل، أستطيع الاستمرار في سردها من العمل أو تركها للمشاهد ليستقرئها.

من ناحية أخرى أظن أن شركة الإنتاج وفقت أولا في اختيار ليس فقط الموقع الذي تم التصوير فيه ( قرية الخبراء التراثية ) بل وفي اختيار أي جهة من القرية لتكون حي آل شامان، ثم اجتهدت في تكييف تلك البقعة لتتناسب مع النص.

وهذه فرصة لأحيي مهندس الديكور الأردني عبدالله الشوبكي وفريقه عبدالجبار وفوزي (التونسيين) ومحسن المنصوري اليمني الذين حولوا قطعة من القرية لحي آل شامان كما هو على الورق، فقد سبق فريق الديكور كل الفرق الأخرى للموقع وهيأه وكانوا على تواصل معي طوال الوقت وفي أدق التفاصيل، وكنت أطلب منهم إعادة تطيين درج بيت أو بناء جدار شرف أو إغلاق جانب من الحي فيلبون بحرفية عالية..

كون العمل سعودي شعبي والمخرج عربي كيف تعاملت مع ذلك ؟

أظن أني سمعتك مرة تستشهد بعبارة دينزل واشنطن ردا على سؤال لماذا لم يستعن بمخرج أبيض لفيلمه الأخير قال هي مسألة ثقافة لا مسألة عرق.. لكن واشنطن يحكي عن هولييود قبلة السينما والدراما..

في السعودية ما زلنا في نقطة إجادة تقديم العمل؛ السعي لتحويل نص مكتوب لصورة حية بأقل قدر من الخيانة للنص، فالأهم في المخرج تمكنه من أدواته الإخراجية وقدرته على قراءة النص ومعرفة مواطن قوته لإبرازه وإمساكه بخطوطه الدرامية حتى لا تتفلت وتضيع أثناء التصوير، ولأكون صريحة معك أظن أن الزاهرية لو تولى إخراجها مخرج سعودي شاب لربما واجه نفس المأزق (الانفصال عن تفاصيل الحياة التي تحاول الزاهرية عرضها) وسائد الهواري مخرج ليس بالغريب عن البيئة السعودية والخليجية فقد قدم ويقدم أعمالا من بيئتنا منذ سنوات. وكلمة حق سأقولها في حقه: لا أظن أن مخرجا آخر كان قادرا على إنجاز العمل في ذات المدة التي التزم بها سائد بذات الجودة، وأنت ترى كل سنة أعمالا رمضانية ينتصف الشهر الفضيل وهي لا زالت تصور..

• ردة الفعل عن العمل كانت جيدة جدا برغم أن العمل ذو نسق هادئ بعيد عن الإثارة؟

هذا من فضل ربي، وهو مما يشجع على الثقة بذائقة المشاهد السعودي وتغيير النظرة حول ما يريده.