تم التوصل الى اكتشاف بأن اكتئاب ما بعد الولادة يصيب الآباء أيضًا بعدما كان الاعتقاد سائدًا بانه يصيب النساء فقط.

أشرف أبوجلالة من القاهرة: بينما كان يسود اعتقاد لدى الجميع بأنّ السيدات هنّ الأكثر عرضة للإصابة بعرض اكتئاب ما بعد الولادة أو ما يعرف بـ quot;الكآبة النفسيةquot;، كشف ريتشارد فريدمان، أستاذ الطب النفسي في كلية طب وايل كورنيل في الولايات المتحدة، أنه اكتشف أخيرًا أن هذا العرض قد يصيب الآباء أيضًا. ويسرد فريدمان في سياق مقال نشرته صحيفة النيويورك تايمز الأميركية تجربته مع زوج أقدم على استشارته بعدما أصيب بحالة من الشغف والحزن والعزلة على نحو غير معهود، عقب ولادة طفله ببضعة أسابيع قليلة.

وأشار فريدمان إلى أن هذا الزوج كان يعاني كذلك من اضطرابات متعلقة بالنوم، رغم أن زوجته هي من كانت تسهر أثناء الليل لإرضاع طفلهم حديث الولادة. وفي هذا السياق، يقول فريدمان إن نسبة تصل إلى 80 % من السيدات يدخلن في نوبة حزن على نطاق محدود - ( وهي ما يُطلق عليها الكآبة النفسية ) ndash; تنتابهم عقب الولادة، وتتدهور الحالة لدى نسبة تقدر بنحو 10 %، حيث يصبن بنوبة اكتئاب حادة. لكن المفاجأة التي لم يكن يعرفها أحد، هي تلك التي سلط عليها فريدمان الضوء، بتأكيده أن اكتئاب ما بعد الولادة يمكن أن يطال الرجال أيضًا، وأن تأثيراته قد تمتد لتترك مجموعة من الاضطرابات ليس فقط على الأب، وإنما على الأم وكذلك الطفل.

ومع هذا، يشير فريدمان إلى أنهم لا يعرفون تحديدًا مدى انتشار عرض اكتئاب ما بعد الولادة لدى الرجال، حيث سبق لمجموعة من الدراسات أن استعانت بطرق ومعايير تشخيص مختلفة. وهنا، يشير فريدمان إلى تلك الدراسة التي سبق وأن قام بها دكتور بول رامشنداني، الطبيب النفسي في جامعة أكسفورد البريطانية، على 26 ألف مريض عام 2005، وخلصت إلى أن 4 % من الآباء تظهر عليهم أعراض الاكتئاب بشكل كبير من الناحية السريرية في غضون ثمانية أسابيع من ولادة أطفالهم.

ثم يعاود فريدمان ليشير إلى أن مريضه كان يصر في بادئ الأمر على أنه بخير، خاصة ً وأنه كان منتشيًا بإحساس الأبوة، بعد أن ظلّ يحاول هو وزوجته على مدار عام أن ينجبا طفلا ً، ولم يعترف له بحقيقة ما كان يراوده من مشاعر الاكتئاب والرغبة كذلك في الانتحار. لكن اتضح لفريدمان بعد ذلك أن هذا الزوج قد التحق لتوه بوظيفة يتعرض فيها لقدر كبير من الضغوطات في التمويل قبل ولادة طفله بستة أشهر. ورغم رفضه الاعتراف بذلك، إلا أنه كان يشعر على ما يبدو بالقلق على مستقبل أسرته المادي، كما كان قلقا ً بشأن زواجه وحياته الجديدة. ويذكر هنا فريدمان ما قاله له هذا الزوج بصوت تعتليه نبرة الحزن، حيث قال :quot; نخرج كثيرًا مع أصدقاء لنا لتناول العشاء أو للذهاب إلى المسرح، لكن لديّ شعور الآن بأن ذلك كله سينتهيquot;.

وهنا، يشدد فريدمان على جزئية غاية في الأهمية، ربما هي مربط الفرس ndash; كما يقولون ndash; في تلك المسألة، فثقافة تنشئة الرجل تختلف عن نظيرتها الخاصة بالمرأة، فهم لا يعرفون منذ الصغر كيف لهم أن يعبروا عما يجيش بداخلهم من عواطف أو مشاعر، ولا توجد لديهم ثقافة طلب المساعدة. وهو ما قد يمثل مشكلة بشكل خاص للآباء الجدد، فشعور الأبوة يحمل بين طياته جميع أنواع مشاعر انعدام الأمن، متمثلة ً في تلك الأطروحات التي تتبادر إلى أذهانهم، مثل: ( كيف سيكون شكلي كأب ؟ هل سيكون بوسعي أن ألبي طلبات واحتياجات أسرتي ؟ وهل تلك المرحلة هي نهاية عهدي بالحرية ؟ ). كما يؤكد فريدمان أن التأثيرات الخاصة بعرض اكتئاب ما بعد الولادة تختلف من الرجل إلى المرأة، فالأبوة ndash; شأنها شأن الأمومة ndash; لكل منهما طابعه البيولوجي الخاص، وقد يتسبب أيضًا في إحداث تغيير فعلي في الدماغ.

ويمضي فريدمان ليلفت إلى تلك الدراسة التي أجريت عام 2006 على نوع من أنواع القردة يُعرف بـ quot;قرود القشةquot;، وكشفت عن أن الآباء الجدد يشهدون زيادة سريعة في المستقبلات الخاصة بهرمون فاسوبريسين في القشرة الأمامية الجبهية بالمخ. وتبين للباحثين في تلك الدراسة أن هرمون فاسوبريسين يلعب جنبًا إلى جنب مع هرمونات أخرى دورًا في سلوك الأبوين لدى الحيوانات، ومن المعروف أنه يتم تنشيط المنطقة نفسها بالمخ لدى الإنسان عندما يَطَّلِع الأبوان على صور خاصة بأطفالهم.

ويشير فريدمان كذلك لتلك الأدلة التي أظهرت أن مستويات هرمون تستوستيرون تميل للانخفاض لدى الرجال خلال فترة حمل زوجاتهن، وذلك ربما لجعل الآباء المنتظرين أقل عدوانية وأكثر ارتباطاً من الناحية العاطفية بأطفالهم حديثي الولادة. ونظرًا للرابطة المعروفة بين الاكتئاب وانخفاض مستويات التستوستيرون لدى الرجال الذين يعيشون في منتصف أعمارهم، قد يتسبب ذلك أيضًا في تعريض بعض الرجال لخطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة. وفي نقطة أخرى، يشير فريدمان إلى أن المؤشر الأقوى إلى الآن على عرض اكتئاب ما بعد الولادة لدى الأبوين هو وجود شريك مصاب بالاكتئاب.
ويختم فريدمان بإشارته إلى هذا البحث الذي أظهر بوضوح أن كآبة ما بعد الولادة لدى الأمهات من الممكن أن تضر بالنمو العاطفي والمعرفي للرضع. في حين يقوم الأب بعزل الطفل عن بعض الآثار
السلبية لاكتئاب الأمهات، لكن ذلك قد يستغرق وقتا ً طويلا ً إن كان مصابا ً هو الآخر بالاكتئاب. ثم يعاود فريدمان ليلفت إلى الدراسة التي قام بها رامشنداني، وتابع فيها أيضا ً الأطفال لمدة ثلاثة أعوام ونصف عقب الولادة، وتبين له اختلاف التأثيرات التي تلحق بهم اعتمادًا على أي الأبوين مصابًا بنوبة الاكتئاب. فاكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات يرتبط بآثار عاطفية وسلوكية سلبية لدى الأطفال بغض النظر عن الجنس، في حين يرتبط الاكتئاب لدى الآباء بالمشكلات السلوكية لدى الصبية. في حين يشير فريدمان في النهاية إلى أن مريضه قد تعافى في غضون شهرين بمساعدة العلاج النفسي وأحد مضادات الاكتئاب.