نجح باحثون أميركيون في إجراء جراحة فريدة لاستئصال ورم سرطاني خارج الجسم، وقد استمرت الجراحة 43 ساعة متواصلة وتمكنوا من إخراج كبد أحد المرضى، ويدعى روبيرت كوليسون، لمعالجته من ورم سرطاني ضخم تكوَّن في الجزء الخلفي من تجويفه البطني، وامتد كذلك ليطال الكبد وغيره من الأعضاء والأوعية الدموية، ثم أعادوه للجسم مرة أخرى.
أشرف أبوجلالة من القاهرة: تدخل جراحي جديد يحوي في طياته قدرا كبيرا من التحدي على شتى الأصعدة، نجح أخيرًا باحثون أميركيون في إنجازه، بعدما قضوا داخل غرفة العمليات، وتحديدًا يوم الأربعاء الماضي، 43 ساعة متواصلة، ليتمكنوا من إخراج كبد أحد المرضى، ويدعى روبيرت كوليسون، لمعالجته من ورم سرطاني ضخم تكوَّن في الجزء الخلفي من تجويفه البطني، وامتد كذلك ليطال الكبد وغيره من الأعضاء والأوعية الدموية، ثم أعادوه للجسم مرة أخرى. وفي محاولة من جانبها لإبراز هذا الحدث المهم، خصصت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية تقريرًا ألقت فيه الضوء على هذا الأسلوب الجراحي الفريد، الذي يأتي في وقت يبذل فيه الأطباء سلسلة من المحاولات المضنية لإيجاد سبل علاجية من شأنها إنقاذ حالات مشابهة من الموت المحقق، خاصة ً بعدما تم التأكد من أن العلاج الكيماوي أو الإشعاعي لا يحظى بتأثير في مثل هذه الحالات.
في مستهل تقريرها، تشير الصحيفة إلى أن الخطوة الأصعب في تلك الجراحة تتمثل في التحدي الذي يواجهه الأطباء لإعادة العضو مرة أخرى إلى الجسم. ففي حالة مثل حالة كوليسون هذه، تبين لمجموعة من الأطباء في المستشفى البريسبتيريان (المشيخي) في نيويورك والمركز الطبي في جامعة كولومبيا، أن الورم الذي يعاني منه كوليسون هو ورم يتعذر إجراء عملية جراحية عليه وسوف يتسبب في وفاته. لكن كوليسون، 59 عامًا، كان له رأي آخر، حيث كان أكثر تشبثًا بالحياة، ولم يسمح لمشاعر اليأس بأن تتملكه.
بعدها، تمضي الصحيفة لتلفت إلى الخطوة الجريئة التي اتخذها كوليسون، عندما قرر الخضوع لتلك العملية محفوفة المخاطر، على يد طبيب جراح يدعى، تومواكي كاتو، وهو واحد من الخبراء القلائل المتخصصين في جراحات الاستئصال الجزئية للأعضاء التي تتم خارج جسم الإنسان، ويقوم خلالها بإخراج الأعضاء المصابة، ثم يخضعها لما تحتاجه من الناحية الجراحية، لإزالة الأورام التي لا يمكن معالجتها بأي طريقة أخرى، ثم يُقدم على إعادة تثبيت الأعضاء في الجسم بوساطة الخياطة الطبية. وهنا، تشير الصحيفة إلى أن هذا الإجراء الماراثوني الصعب يمكنه أن يستمر مدة تصل إلى 30 ساعة أو أكثر، ويشارك به اثنا عشر جراحًا وطبيبًا متخصصا ً في التخدير، وتزيد كلفته عن 300 ألف دولار.
وفي هذا الإطار، تمضي الصحيفة لتنقل عن دكتور كاتو، قوله :quot; إن لم تجر هذا الإجراء الجراحي، لن يكون أمام المريض فرصة للحياةquot;. ثم تنتقل بعدها لتقول إن كاتو، 46 عامًا، سبق له وأن أجرى 16 عملية جراحية مماثلة لجراحة كوليسون، وساعد في ست عمليات أخرى، بعضها في جامعة ميامي، حيث تدرب مع جراح شهير متخصص في عمليات نقل وزراعة الأعضاء يدعى، دكتور أندرياس تزاكيس. ولفتت إلى أنه قام بدراسة الطب في جامعة أوساكا اليابانية، ثم قضى اثني عشر عامًا في ميامي، قبل أن يلتحق بجامعة كولومبيا عام 2008، حيث عمل هناك أستاذًا للجراحة ومديرًا للعمليات الجراحية الخاصة بزراعات الكبد والجهاز الهضمي.
ورغم إدراك كاتو لحجم التحدي الذي كانت تحويه عملية كوليسون بين طياتها، إلا أنها كانت أكثر صعوبة مما توقع، كما كانت أطول عملية يجريها على الإطلاق. وتنوه الصحيفة إلى أن المريض كان مصابًا بورم quot;liposarcoma quot; السرطاني الذي ينشأ من الخلايا الدهنية، وأظهرت الأشعة المقطعية أنه كان بحجم الكرة التي تستخدم في لعبة السوفتبول، ويتراوح محيطها ما بين 28 إلى 30.5 سم، وقد كان يضغط على الكبد ويسد القناة الصفراوية لديه. وما زاد من صعوبة التدخل الجراحي في البداية ndash; بحسب الأطباء الذين اطلعوا على حالته في أولها بمقاطعة ميلووكي التي يقطن بها ndash; هو أن الورم قد امتد ليصيب الأوعية الدموية، وقد باءت محاولتهم التي استعانوا فيها بالعلاج الكيماوي والإشعاعي بالفشل. وبعد مرور عام، بدأ حجم الورم في الازدياد، ومعه بدأ يتناقص وزن كوليسون، إلى أن فقد 70 رطلا ً.
هذا وتلفت الصحيفة أيضًا إلى أن كوليسون سبق له وأن تعرض للإصابة بورم سرطاني آخر كبير في بطنه عام 1993، لكنه لم يكن خبيثًا، وتمكن الأطباء حينها من إزالته بالتدخل الجراحي. ورغم عدم اتضاح الأسباب التي وقفت وراء إصابة كوليسون بورمين سرطانيين كبيرين في الحجم، غير أن الأطباء رجحوا إمكانية حدوث ذلك نتيجة أمر وراثي غير معروف. وبالنسبة إلى التدخل الجراحي الأخير، فتعاود الصحيفة لتقول إنه اشتمل على سلسلة من العمليات شديدة التعقيد، حيث كان يجب التعامل بحيطة مع الورم لأنه كان يُضَيِّق الخناق على أجزاء من معدة وأمعاء وبنكرياس كوليسون. وقد كان من الضروري شق كل عضو من هذه الأعضاء إلى نصفين، وذلك للإبقاء على الأجزاء السليمة كما هي، والعمل في الوقت ذاته على إخراج الأجزاء المصابة، ومن ضمنها ثلثا المعدة، جنبًا إلى جنب مع الورم. كما كان لزامًا على الفريق الطبي أن يعيد الربط بين الأجزاء المتبقية وبين الجهاز الهضمي.
وبعد أن تبين إصابة العديد من الأوعية الدموية، لم يكن أمام الأطباء خيار آخر سوى القيام باستبدالها. كما تعين على دكتور كاتو أن يعيد تطوير أجزاء من وريدين رئيسين، واستبدال وريد آخر. بعدها، تنتقل الصحيفة لتلقي الضوء تفصيلا ً على هذا الجهد الجراحي الضخم الذي قام به كاتو ورفاقه من المساعدين والممرضات وأطباء التخدير على مدار يومين متواصلين تقريبا ً، إلى أن نجحوا في نهاية المطاف في تحقيق غايتهم، وتخليص كوليسون من ذلك الورم السرطاني الخبيث. وفي الختام، تنقل الصحيفة عن دكتور كاتو قوله :quot; تتحسن حالته (كوليسون ) بشكل جيدquot;. ثم تنقل عن زوجته، قولها :quot;يمكنني أن أؤكد لكم أن هذا الرجل تحمل كثيرا ً أثناء الجراحة. ما زالت غير مصدقة لما حصل. فلولا رغبته الحقيقية في الحياة، لكان قد توفى أثناء تلك العملية. وإن لم تعاوده تلك الإصابة، فسيكون بمقدوره أن يعيش مدة أطول quot;. وفي النهاية، لم تفوّت الصحيفة فرصة التأكيد على أن تلك العملية، التي استمرت على مدار 43 ساعة متواصلة، سيكون من شأنها أن تثير حتمًا حزمة من التساؤلات حول الطريقة المثلى لاستخدام الموارد الطبية.
التعليقات