حوار مع فتحي عبد الستار مدير النطاق الدعوي في اسلام اون لاين
حاوره حسن الاشرف: يقدم الاستاذ فتحي عبد الستار في هذا الحوار رؤيته لدور الانترنت في نشر الدعوة الاسلامية والشروط الكفيلة بضمان خطاب ديني متجدد ومساير للعصر الذي نعيشه. ![]()
* قبل الرسو في ميناء الحديث معكم هل لكم أستاذ فتحي عبد الستار أن تتيحوا الفرصة للقارئ معرفة بطاقة تعريفكم..
- أنا من مواليد القاهرة عام 1972م، تخرجت في كلية التربية جامعة عين شمس، قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وعملت في مجال البحوث الشرعية واللغوية لدى العديد من دور النشر والصحف والمجلات العربية المختلفة. توليت مسئولية تحرير صفحة الاستشارات الدعوية، ثم صفحة دعوة ودعاة، بشبكة إسلام أون لاين . نت، وعملي الحالي هو مدير تحرير النطاق الدعوي بالشبكة. شاركت في إعداد المناهج التربوية لبعض المراكز التربوية المتخصصة، وأيضا في إعداد بعض الكتب الدراسية لمراحل دراسية مختلفة، ودرَّست أيضا اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية لمراحل مختلفة. أخطب الجمعة، وأمارس الدعوة العامة، والعمل الاجتماعي، وأشارك في المنتديات الدعوية والأدبية على شبكة الإنترنت. لي عدد من الكتب المنشورة، وأخرى في طور الإعداد، وكذلك العديد من المقالات المنشورة على صفحات إسلام أون لاين.نت، وأجبت على العديد من الاستشارات الدعوية والإيمانية الواردة للموقع. متزوج، ورزقت بولدين وبنتين، وأسأل الله الإخلاص والقبول.
* كان للإعلام دور حاسم في فقدان جزء هام من المسلمين لصلتهم بالقيم والدين والتاريخ، كيف يمكن إحياء هذه الصلة عن طريق الإعلام الإسلامي.
- لا شك أن مقولتكم صحيحة إلى حد كبير، وإن كانت هناك عوامل أخرى قد ساهمت بشكل فاعل في فقد المسلمين لهذه الصلات التي أشرتم إليها، من هذه العوامل تخلي المسلمين عن حضارتهم وثقافتهم، واستسلامهم لدعاوى التغريب نتيجة لشعورهم بالانهزام والدونية الثقافية أمام المد الحضاري الغربي، وقد نسوا أن تلك الحضارة الغربية إنما قامت في الأساس على المبادئ الإسلامية التي طبقها هؤلاء في مجالات حياتهم المختلفة، كمبادئ إتقان العمل، واحترام الوقت، وغيرها، إلا أن المسلمين عندما أرادوا الأخذ من مناهل تلك الحضارة اختاروا أسوأ ما فيها وغفلوا عما يجب أن يقتدوا به لإصلاح دينهم ودنياهم.
وقد ساهم المصلحون والدعاة أيضًا في تردي الأوضاع بتقصيرهم في مواجهة الإعلام الفاسد بإعلام مضاد على نفس المستوى من الإتقان والحرفية اللذين يؤمنان جذب الجماهير إليه، وقدموا بدلاً من ذلك ألوانا هزيلة من الإعلام تثير السخرية والنفور. إلا أن هذا بدأ يتغير في السنوات الأخيرة، حيث بدأ القائمون على الإعلام الإسلامي بالأخذ في تعلم مهارات ووسائل الإعلام المؤثر وتقنياته. وإن كنت أتحفظ على مقولة "الإعلام الإسلامي"، وأفضل عليها أن نقول الإعلام المنضبط بقيم الإسلام وتشريعاته.
لذا إن أردنا أن نعيد هذه الصلات التي أشرتَ إليها فيجب أولاً اعتماد الحرفية في العمل الإعلامي، والأخذ بكل الوسائل الحديثة التي تبني جاذبية هذا العمل وتوفر القابلية لديه عند المتلقي. يأتي بعد ذلك التعمق في تناول القضايا المطروحة، والبعد عن التسطيح والتعميم، مع عدم اعتماد ردود الأفعال والانطباعات الشخصية.
وينبغي للإعلام "الإسلامي" أن يهتم بتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، وتقديم النماذج الطيبة وإبراز القدوات الصالحة من بين المسلمين. كما يجب أن يأخذ على عاتقه الاهتمام بقضايا المسلمين في جميع أنحاء العالم، وعدم التركيز على مناطق بعينها دون الأخرى. أيضًا يجب أن يخرج الإعلام الإسلامي نفسه من دائرة الاتهام واتخاذ موقف المدافع دائمًا، مع التثبت والتيقن وعدم إلقاء التهم جزافًا، والبعد عن إثارة الغرائز والشهوات والعصبيات، وعدم التورط في مناصرة اتجاه دون الآخر، والدوران مع الحق حيثما دار. ومن المهم قبل ذلك كله توفر المرجعيات الشرعية والعلمية التي توجه وتتابع وتقيِّم الأعمال المنتَجَة والخطاب الموجَّه أولاً بأول.
*هناك من يدعو إلى تجديد الخطاب الديني في الإعلام الإسلامي ليساير متغيرات عصرنا هذا. ما هي الشروط الكفيلة والضامنة لتحقيق هذه الغاية.
- إن تجديد الخطاب الديني مصطلح فضفاض، قد يراد به الحق فعلاً، وقد يلبَّس برداء الحق ويراد به الباطل، فإن كان المقصود به تطوير الخطاب في حدود الشريعة الإسلامية بما يتماشى مع متغيرات العصر من حيث الأسلوب والمفردات واستحداث الوسائل، فلا مانع إذن منه وفق هذه الحدود. أما إن كان المقصود به التنازل عن ثوابت هذا الدين، والتخلي عن عقائده، وتمييع مبادئه، فإنه يغدو بهذه المعالم مرفوضًا مطلقًا. وأنا أرى أن الشروط الضامنة لتقديم خطاب إسلامي متميز تتركز في:
- التخلص من التكلف الموضوعي واللفظي، وتحديث الناس بما يعرفون وترك ما ينكرون، والحرص على الموضوعية في التناول، والواقعية في طرح القضايا وعلاج المشكلات.
- الاهتمام بمناهج التربية والتعليم في المؤسسات التعليمية المختلفة، وخاصة المؤسسات الدينية، وإعادة صياغة هذه المناهج بما يوافق ظروف الحاضر وأحداثه، بحيث يتشرب المتعلم شمول الإسلام لجوانب الحياة جميعها، ويفهم أن الإسلام أكبر من أن يحد في مسجد، وان الشريعة أكبر من أن تختزل في مجرد الحدود.
- إبراز الجوانب الإنسانية المشرقة في الإسلام، وأنه يعلي من قيم الحرية والمساواة والعدل والشورى، بل هو واضع قواعدها، التي ادعى الغرب أنه مبتدعها وراعيها.
- احترام الرأي الآخر وتقدير المخالف، ومراعاة الأدب حال الخلاف، سواء كان هذا المخالف مسلما أو غير مسلم.
- فهم مقاصد الإسلام، ومراعاتها عند تطبيق الأحكام الشرعية أو الحديث عنها.
- العمل بفقه الأولويات، ومراعاة سنة التدرج.
- إعادة النظر في المصطلحات والتعبيرات المستخدمة؛ حيث إن البعض منها قد يكون ملائما لحقبة زمنية دون أخرى، ولأناس دون أناس، لذا وجبت مراجعتها، وعدم اعتبارها أصولاً ثابتة. وما يقال عن المصطلحات يقال عن الفتاوى القديمة التي أيضًا يجب مراجعتها وربطها بالظروف والأحوال والواقع الذي خرجت فيه، وعدم تعميمها وسحبها على كل الأزمان والظروف.
*أستاذ فتحي، ما هي في رأيكم أهمية الشبكة العنكبوتية الانترنت في مجال الدعوة الإسلامية..
- لا شك أن شبكة الإنترنت فتحت أمام الدعوة الإسلامية مجالات رحبة، وأتاحت لها انتشارًا ما كان يتحقق بدونها، فقد ألغت الإنترنت الحدود بين الدول في مختلف أقطار الأرض، وتغلبت على الحواجز الجغرافية، والإجراءات الأمنية، وأتاحت للجميع فرصة التعبير عن رأيه بحرية ودون خوف من ملاحقة أو إيذاء، وقد اعتبرها بعض العلماء – أمثال الدكتور القرضاوي – جهاد العصر، حيث إن الجهاد إنما شرع لإزالة الحواجز التي تعيق وصول الدعوة إلى الشعوب، والإنترنت استطاعت أن تقوم بهذا الدور وتغدو وسيلة فعالة جدا في نشر الدعوة، لتعدد الصور والقوالب المستخدمة من خلالها، من بريد إلكتروني، ومجموعات بريدية، ومواقع إلكترونية، مع إمكانية استخدام الصوت والصور الثابتة والمتحركة.
*إلى أي حد تستفيد الدعوة المباركة من تطور استعمال الانترنت..
- كما قلت في السؤال السابق، فإن الإنترنت تتمتع بقوالب عديدة وأساليب مختلفة يمكن بث الدعوة ومفاهيمها من خلالها، ولكي يتحقق الاستثمار الأمثل لهذه الوسيلة، فإن على الدعاة أن يتعلموا كيفية التعامل مع شبكة الإنترنت بكافة وسائلها، ويحسنوا استخدام هذه الوسائل، ويتابعوا التطورات والمستجدات فيها، وينوعوا في أشكال استخدامها بحيث تصل رسالتهم إلى الشرائح العمرية والمهنية المختلفة. ومن أجمل ما تتيحه شبكة الإنترنت اختصار المسافات والأزمان لدرجة كبيرة، وإمكانية عقد تواصل مباشر من خلالها بين الدعاة والمدعوين، وبين الدعاة بعضهم البعض لتبادل الأفكار والمعلومات.
*ما هي أبرز مخاطر وسلبيات الانترنت على هذه الدعوة؟
- إن أبرز المخاطر والسلبيات من وجهة نظري هي عدم وجود قيود أو ضوابط تحكم نشر المواد على الشبكة، وذاك سلاح ذو حدين، فهو من ناحية يكفل حرية النشر، ومن ناحية أخرى يسمح لأصحاب الأفكار المنحرفة والمفاهيم الخاطئة بنشر أفكارهم ومبادئهم وتخريب عقليات الشباب وتزييف وعيهم، وهذا بالطبع يتطلب جهدا مزدوجا من أصحاب الفكر الصحيح، حيث إن عليهم مواجهة هذه الأفكار وكشف زيفها وخطئها إلى جانب تقديم الصورة الصحيحة للإسلام وشريعته.
*هل من منهجية معينة على أصحاب المواقع الإسلامية اتباعها للدعوة إلى الله بالحسنى؟
- أهم ما يجب أن تراعيه المواقع الإسلامية في مجال الدعوة هو الحرص على تقديم المفاهيم الصحيحة المتسقة مع نصوص الشريعة وروحها ومقاصدها، وهذا يتطلب وجود مرجعية شرعية لهذه المواقع من العلماء والدعاة الموثوق في علمهم، يكونون عينا فاحصة لما تقدمه هذه المواقع وتقيّمه وترشِّده أولاً بأول.
كما يجب على هذه المواقع اتباع الآداب الإسلامية في الخطاب الدعوي، فتبتعد عن تجريح الهيئات والأشخاص، وتسفيه الأفكار المخالفة، بل يتم الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
ومن المهم والضروري أن تقوم هذه المواقع بتأهيل العاملين فيها بما يناسب المهام الموكولة إليهم، بحيث يكونوا على مستوى المسئولية ثقافيا وأخلاقيا ومهنيا.
*كيف تقيمون دور موقع إسلام أون لاين بصفة عامة ودور صفحتكم الدعوية في الدفع بالدعوة الإسلامية إلى الأمام..
- في حقيقة الأمر - وليس تحيزا ومجاملة لإسلام أون لاين – فإن هذا الموقع استطاع في وقت قليل نسبيا أن يقدم نموذجا متميزا للمواقع الإسلامية على الإنترنت، مما أهله أن يكون الآن الموقع الأول عالميا على مستوى المواقع الإسلامية، والثاني على مستوى المواقع العربية، بالنسبة لعدد الزائرين. وقد وصل إسلام أون لاين لهذا المركز بفضل الله أولاً، وبفضل اتباعه للمنهج الذي تحدثت عنه في كلامي السابق، ثم بفضل حرص إدارته على دوام التطوير من الناحية التقنية والبشرية، والاستفادة بكل مستحدثات العصر. وفي رأيي أن أهم ما يميز موقع إسلام أون لاين – إضافة لما ذكرت – أنه قدم الإسلام في صورته الحية، ملتحما بكل جوانب الحياة، ثقافيا وفنيا وسياسيا وعلميا وصحيا واجتماعيا، ولم يكتف بالجانب الشرعي والدعوي المحض، وهذه هي الصورة الحقيقية للإسلام التي افتقدناها كثيرًا، وليست الصورة التي يريدها أعداؤه محصورًا في الزوايا والمساجد، متوقفا على بعض الطقوس والشعائر.
ومما ساعد إسلام أون لاين أيضا على النجاح والوصول لهذه المرتبة المتميزة عدم تورطه في مناصرة اتجاه دون اتجاه أو جماعة دون جماعة، وإنما كان هدفه توحيد كلمة المسلمين على كلمة سواء وتحت راية واحدة، وتقوية روابط الوحدة والانتماء بين أفراد الأمة الإسلامية، ودعم عملية التبادل المعرفي والتمازج الثقافي بينهم.
كما أن الموقع قد جعل من أهدافه: العمل لخير البشرية جمعاء، والعمل على دعم سبل النهوض والارتقاء بالأمة الإسلامية خاصة وبالبشرية عامة، ودعم مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد كانت السياسات التي وضعها الموقع لنفسه في مجملها كفيلة بأن تضمن له السير الحثيث لبلوغ أهدافه تلك، وتتلخص تلك السياسات في: عالمية الطرح، وشمولية المضمون، ووسطية المنهج، وموضوعية المعالجة، وأخلاقية التناول، والتشويق في العرض.
*كلمة أخيرة للقارئ الكريم
- كلمتي الأخيرة في هذا الحوار - بعد الشكر والتقدير – أوجهها لكل المسلمين، أستحثهم في – وخاصة ونحن على أعتاب شهر كريم – أن يعيدوا صياغة علاقتهم بالله عز وجل، وبالناس، وبالأشياء، إعادة صياغتها إلى الأفضل وإلى الأحسن، فتعتدل حياتهم من المعصية إلى الطاعة، ومن الفرقة إلى الوحدة، ومن التنافر والتضاد إلى التعاون والتكامل والتنافس في الخير، ومن الحقد والبغضاء إلى التسامح والتغافر، وتلك قواعد النصر الذي نرجوه لأمتنا، وأجمل ما ننهي به أي حديث خير الكلام، (إن تنصروا الله ينصركم)، (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، والسلام عليكم ورحمة الله.




التعليقات