حوار مع المفكر العراقي محمد عبد الجبار الشبوط:
* أنا لست خائفا من العولمة ولا من العولمة الثقافية لأنني ابشر بها من منطلقي العقائدي الخاص.
* في الامكان زراعة المفهوم المعاصر والإجرائي للديمقراطية في إطار المشروع الحضاري الإسلامي.
* مفهوم الفردية،هو الإقرار بحق الإنسان الفرد بمنظومة من الحقوق التي تقابلها منظومة من الواجبات.
*وجود قوى سياسية واجتماعية تجد مصلحتها في قيام أنظمة شمولية أو مواقع أو مراكز نفوذ.
*الجميع وجدوا أنفسهم فجأة أمام مسرح سياسي.
* التنازلات في العمل السياسي هي شكل من أشكال الحنكة السياسية والذكاء السياسي.
* لا توجد علاقة، لا مفهومية ولا عضوية بين الديمقراطية وبين العلمانية، وليست احداهما شرطا للأخرى.
حاوره زعيم نصار في بغداد: يتحدث محمد عبد الجبار الشبوط بحرية وطلاقة مباشرة، وبلا خوف، لأنه من أهم المفكرين والسياسيين الإسلاميين الآن في بغداد وهو من الذين تبنوا مقولات الديمقراطية كمفهوم وممارسة، في الحقيقة انه في دفاعه عن الديمقراطية يدافع عن حريته الشخصية، لأنه يمتلك رؤى وأفكار جديدة على الوعي لإسلامي في العراق وهي بحاجة لطاقة وحيوية عالية من اجل إيصالها وتفعيلها، محمد عبد الجبار هو أحد مؤسسي التيار الديمقراطي الإسلامي المشترك في العملية السياسية،نشر العديد من الكتب والدراسات أثناء رحلته في المنفى التي تجاوزت الثلاثين عاما وهو من الإعلاميين الناشطين، يرأس تحرير جريدة الصباح، ومجلة الاسلام والديمقراطية، وسلسلة إصدارات جديدة، التقته إيلاف في مكتبه في جريدة الصباح فكان معه هذا الحوار :
*ميزت في كتابك quot;تجديد الفكر الإسلاميquot; بين مفهومين للديمقراطية، مفهوم قديم يعتبرها آيديولوجية أو عقيدة، ومفهوم آخر يعتبرها آليات حكم، أين تجذر تجربة الإسلاميين الديمقراطيين؟
- حصل التطور والتغيـّر في مفهوم الديمقراطية منذ إصدار (شوم بيتر)كتابه حول الديمقراطية والرأسمالية والاشتراكية في عام 1942 في ذلك الكتاب طرح (شوم بيتر) للديمقراطية مفهوما إجرائيا يتمثل في كونها ترتيباً مؤسساتيا يمـّـكن المحكومين من انتخاب حاكميهم ويمـّـكن المواطنين من المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية. طبعا لم يصل هذا المفهوم الى البلدان العربية بسرعة لان هذا الكتاب لم يترجم أصلا للغة العربية وبقي الاعتقاد سائدا في الكثير من الدوائر الإسلامية بأن الديمقراطية عقيدة ومنهج ونظام وبالتالي فهي تتعارض مع الاسلام، لأن الاسلام أيضا عقيدة ومنهج ونظام ولايمكن التوفيق بين نظامين يستندان الى مقولات فلسفية ورؤى عقائدية مختلفة. بعد الانهيار الذي حصل في جدار برلين ومن ثم انهيار المعسكر الاشتراكي وانفتاح العالم على الديمقراطية، حصل تطور كبير في مفهومها سمح بان يتبلور مصطلح جديد سمي (الديمقراطية المعاصرة) تمييزا لها عن الديمقراطية الكلاسيكية التي تتلخص في كونها منظومة آليات محايدة لتنظيم عملية تداول السلطة في المجتمع بطريقة سلمية وعلى أساس الانتخابات الدورية والعلنية، والحرة والنزيهة التي تعبر عن إرادة المحكومين بعد هذا بدأ المصطلح بالمجيء والوفود الى البلدان العربية فكان ان تلقينا نحن مجموعة من المفكرين والكتاب الإسلاميين في العراق وفي غير العراق وبدأنا بعرض هذا المفهوم الجديد على مقولاتنا الإسلامية استنادا الى حديث يقول أو يطالب المفكر المسلم بعرض كل الأفكار الوافدة على القرآن ومن ثم رفض ماكان مخالفا للقرآن وقبول ماكان موافقا له، كما في قول الإمام الصادق ndash; ع-(ما خالف القرآن فهو زخرف) في الحقيقة عرضنا هذا المفهوم على مبادئ الإسلامية والقيم الإسلامية الحاكمة فوجدنا انه لا يتعارض مع الاسلام ومع هذه المفاهيم الإسلامية، بل انه في حقيقة الأمر يلتقي مع الكثير من القيم الواردة في الاسلام، كقيمة الشورى،وقيمة المساواة، وقيمة التسامح، وقيمة تداول السلطة، وقيمة التعايش السلمي،والحوار ونبذ العنف، الى أن توصلنا أخيرا الى انه في الامكان تبيئة أو زراعة المفهوم المعاصر والإجرائي للديمقراطية في إطار المشروع الحضاري الإسلامي وبهذا أصبح بالامكان ان تأخذ المجتمعات الإسلامية بالآليات الديمقراطية لحل مشكلة تداول السلطة فيها.
*من بين أهم سمات الإنسان في المجتمع الديمقراطي الفردية، في حين ان مجتمعنا غارق بانتماءات متعددة الأشكال، هذا يفرغ الإنسان من محتواه الفردي، إذا ً كيف يمكن إنبات بذرة الديمقراطية كممارسة في مجتمعنا العراقي؟
- أولا يجب ان نتحدث عن الفرق بين الفردية والفردانية. الفردانية ان يكون الإنسان موجوداً في إطار وعالم من المصالح الفردية البحتة التي تشكل مثلا عليا لذلك الإنسان يقتل من اجلها ما يشاء. هذا المفهوم ليس من السمات الديمقراطية أولا وهو مرفوض في الرؤية الإسلامية. أما مفهوم الفردية فهو يعني الإقرار بحق الإنسان الفرد بمنظومة من الحقوق التي تقابلها منظومة من الواجبات،على أن لا يكون هذا الإنسان الفرد الذي يتمتع بهذه المنظومة في جانبيها، معزولاً عن غيره من أفراد المجتمع، وإنما ان يدخل مع هؤلاء الأفراد بمنظومة علاقات طوعية تشكل فيما بعد مفهوم المجتمع المدني وإذا نظرنا الى طبيعة تشكل المجتمعات الإنسانية لوجدنا ان الإنسان الفرد موجود على الورق وعلى صعيد البحث النظري فقط. لأنه لايمكن للإنسان ان يعيش منفردا و ما يقال من قصص لإنسان عاش وحيداً كقصة روبنسن كروسو وقصة (حي بن يقظان) لابن طفيل. هذه قصص من وحي الخيال لا تعبر عن حقيقة موضوعية خارجية،هذا الإنسان الفرد يجد نفسه منذ بدء خلقه على علاقة مع آخرين تبدأ العلاقة بالأم، ثم الأب، ثم العائلة الصغيرة، ثم المجتمع.وبالتالي نحن نتحدث دائماً عن إنسان فرد يعيش ضمن شبكة علاقات مع آخرين، بعض هذه العلاقات قسرية وتكوينية، بعض هذه العلاقات طوعية ثم نجد هذا الإنسان في الأخير يشكل خلية واحدة في منظومة اكبر تسمى المجتمع المدني، في هذه النقطة ليس ثمة خلاف بين الاسلام أو الديمقراطية فكلاهما يقومان على أساس تفعيل المجتمع المدني واعتباره قاعدة للحياة الإنسانية.
* ماهي ابرز عوائق الديمقراطية في مجتمعنا من وجهة نظركم؟
- في الحقيقة هنالك الكثير من عوائق الديمقراطية و بناء الديمقراطية في مجتمعاتنا منها،عدم وجود شرائح اجتماعية واسعة ومؤثرة تجد من مصلحتها قيام الديمقراطية، منها غياب الثقافة الوطنية المشتركة التي تشكل قاعدة للحظة الاجتماعية الموحدة، منها غياب الثقافة السياسية الديمقراطية، وغياب التقاليد الديمقراطية في المجتمع، منها وجود قوى سياسية واجتماعية تجد مصلحتها في قيام أنظمة شمولية أو مواقع أو مراكز نفوذ،منها ضعف تأثير الطبقة الوسطى التي تشكل القاعدة المادية الأساسية لبناء وضع سياسي ديمقراطي. حقيقة هذه مجموعة من العوائق يوجد غيرها الكثير،وهي تشكل كوابح ومطبات في طريق التحول الديمقراطي في البلدان العربية والإسلامية وهي كوابح وجدت أيضا في المجتمعات التي سبقتنا الى الديمقراطية، حتى في المجتمع البريطاني حيث ولدت الديمقراطية لأول مرة، لكن من طبيعة المجتمعات إنها تستطيع ان تتغلب في نهاية المطاف على هذه العوائق والكوابح وتتجاوزها ثم تبني نظامها الديمقراطي الخاص بها.
* واقع المجتمع العراقي انه يتكون من مجموعات متنافرة غير متضافرة حول السلطة،وهذه المكونات الاجتماعية تأبى ثقافة الشراكة الوطنية حتى هذه اللحظة في الأقل، ما أسباب ذلك برأيكم وكيف ترون مستقبل هذا الواقع الاجتماعي ومستقبل ثقافة المشاركة أيضا؟
- هذا الوضع هو جزئياً إحدى موروثاتنا من النظام الدكتاتوري السابق، مفهوم الشراكة السياسية يولد في مجتمع يشهد حياة سياسية،ولكن المجتمع العراقي خلال الخمسين سنة التي مضت لم يكن مجتمعا سياسياً، أي لم تكن هناك حياة سياسية حقيقية في العراق هذا الأمر تركز بشكل عميق بعد سيطرة حزب على أعلى السلطة، حيث تحول الوضع الى عسكرة للمجتمع وأحادية للسلطة، وهيمنة مطلقة لحاكم فرد،وبالتالي انعدمت بالكامل كل ملامح الحياة السياسية والتي تنطوي على تعددية حزبية ومنافسة وحرية رأي وحرية تعبير كل هذه المظاهر الكاشفة عن وجود حياة سياسية انعدمت وبالتالي أصبح المجتمع العراقي وخاصة من يتصدى من أبنائه الآن للعملية السياسية، أصبحوا فاقدين للخبرة السياسية، حتى أولئك الذين جاءوا من خارج العراق،في الحقيقة لم يكونوا يمارسون عملا سياسيا بقدر ما كانوا يمارسون عملا معارضاً تحريضياً ضد النظام، وإذا بالجميع يجدون أنفسهم فجأة أمام مسرح سياسي لم يجيدوا التمثيل عليه ويفتقد الى القواعد الراسخة، ويفتقد المخرج المتمكن، كما يفتقد الى الأجهزة وعلى التصوير المتقدم وبالتالي فالذي أتوقعه ان يشهد المجتمع العراقي الكثير من المعاناة والمطبات والثغرات التي من خلالها سوف تولد الحياة السياسية،إذا ما ولدت الحياة السياسية بعد هذه المعاناة الطويلة آنذاك نستطيع ان نتحدث عن نظام ديمقراطي وعن شراكة سياسية الى آخره.. نحن حتى الآن قادتنا أو المتصدون للعمل السياسي لا يفهمون مثلا ان السياسة تقوم على أساس التسويات وتقوم على أساس التنازلات المتبادلة، نحن حتى هذه اللحظة لسنا سياسيون، ان التنازل أمر متعلق بالمهابة، والمكانة،والكرامة الشخصية، ومتعلق بالحقوق التاريخية والطبيعية والمواقع الأولى، والسياسة لا تتعالى،لا يتم تعاطي السياسة بهذه الطريقة، التنازلات في العمل السياسي هي شكل من أشكال الحنكة السياسية والذكاء السياسي الذي يمكن العملية السياسية من التحرك ومن الدوران لان الإصرار على المواقف والتمسك بالمواقع،يؤدي الى جمود هذه العملية السياسية بالتالي انعدام الحياة السياسية في البلد.
* يربط الكثير بين الديمقراطية والعلمانية في حين يأبى الإسلاميون ذلك، هل تعتقد ان أحداهما عتبة للأخرى، وهل تضر العلمانية بالإسلاميين، أم ان الإسلاميين يضرون بالديمقراطية العلمانية؟
- أولا هل هناك علاقة مفهومية بين الديمقراطية والعلمانية؟ الجواب (لا) لا توجد علاقة لا مفهومية ولا عضوية بين الديمقراطية وبين العلمانية، وليست احداهما شرطا للأخرى بدليل ان هنالك الكثير من الأنظمة العلمانية لكنها دكتاتورية،كما ان هنالك الكثير من الأنظمة الديمقراطية ليست علمانية 100% يقول جاك سترو وزير خارجية بريطانيا إننا دولة علمانية لكن ليس 100% وإنما علمانيتنا مشوبة بالدين، فالملكة رئيسة الكنيسة وهذا أمر كبير الأهمية ان تكون الرئيسة الزمنية للدولة هي في نفس الوقت رئيسة الكنيسة.وبالتالي فليس هنالك من تلازم بين العلمانية وبين الديمقراطية.
أما سؤالك الثاني هل تضر العلمانية بالإسلاميين؟ هذا يعتمد على ماذا تعنيه بكلمة العلمانية إذا كنت تقصد فصل الدين عن السلطة السياسية، فأنا اعتقد هذا صحيح لأنه السلطة السياسية تعتمد على فكر ونظام متحول ومتغير في حين الدين شأن الهي وسماوي، ثابت ومقدس، فليس من الصحيح ان يتم مزج الدين بمفهوم السلطة والسياسة. نعم لايمكن فصل الدين عن الدولة لان الدولة هي ذلك الإطار الكلي الذي يضم في جنباته المجتمع والأرض والشعب والناس وإذا كان المجتمع مجتمعا دينيا أو متمسكا بدينه فلا يمكن ان يكون جزءاً من دولة تتنكر للدين، اذا ًهنالك تلازم أو نوع من الترابط بين الدولة والدين بناءاً على طبيعة المجتمع لكن هذا لا يعني بالضرورة ان حسب الديانة، ان تكون السلطة مرتبطة بالدين، السلطة شأن سياسي تنفيذي، ان الدولة إطار حضاري وكيان كلي للمجتمع.
*طرحتم في كتابكم (تجديد الفكر الإسلامي) مفهوم التجديد ما ابرز حدود هذا المفهوم وهل هو مرادف للتكيـّف، أي تكيـّف الاسلام لمعطيات الحضارة الحديثة؟
- في البداية يجب ان نفرق بين الاسلام وبين الفكر الإسلامي، الاسلام هو ذلك المعطى المقدس الثابت المنجز من الله سبحانه وتعالى معنى ونصا ًفي القرآن والمنزل معنى فقط المتمثل بالجزء التشريعي من سنة الرسول (ص) هذا أمر لا يشمله التجديد. أما الأمر الثاني فهو الفكر الإسلامي فهو ذلك العطاء الجدلي الذي يقدمه المسلمون من خلال سعيهم المتواصل لاستيعاب المتغيرات في مجتمعهم وفق الرؤيا الإسلامية الكلية، في هذه الجدلية سوف ينتج المسلمون الكثير من الأفكار والأحكام والفقه والنظريات وهذه كلها تسمى فكر إسلامي لكنها بشرية الطابع، وهي جزء من أفكار أصحابها والذين يؤمنوا بها وليست جزءاً من المقدس الإسلامي وليست جزءاً من الدين الذي ذكره الله سبحانه و تعالى، في قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) هذا القسم هو الذي نعنيه بالتجديد، لأنه ليس من طبيعة الإسلام ان يجمد ما أنتجه أسلافنا من فكر وفقه ورؤى وتفسيرات وإنما ان تكون تلك عرضة دائمة للمراجعة والنقد والتجاوز، نتجاوزها بما يجعلنا دائماً نستجيب استجابة موضوعية لمتطلبات وأسئلة حاضرنا نحن لا نعيش بأسئلة الماضي وإنما دائماً الإنسان يعيش بأسئلة الحاضر والمستقبل فإذا شغل الإنسان بتقديس أسئلة الماضي أصبح حجر عثرة أمام التقدم والتطور والتجديد، أما إذا شغل نفسه بأسئلة الحاضر والمستقبل اصبح أداة ً للتجديد والتطور والإنتاج والتقدم بعد ان حددنا المجال.نسأل ماذا يستهدف التجديد؟ التجديد يستهدف بالمقام الأول إعطاء إجابات جديدة لأسئلة العصر،أنت في كل زمان تواجه تحديات فكرية وتشريعية وتنظيمية وثقافية وفنية، وأنت إذا كنت مسلما أو معتقدا بعقيدة من العقائد، تحتاج ان تقدم إجابات لهذه الأسئلة تستلهمها بالتأكيد مما تعتقده من عقائد كلية لكنها تنسجم مع الحيز الزماني والمكاني المعاصر الذي تعيش فيه، هنا يأتي دور التجديد انك تقدم إجابات جديدة للأسئلة جديدة دون ان تتنكر لأصالتك وحضارتك ودون ان تتنكر للإطار الثقافي الذي تؤمن به هذا هو العنصر الأساسي في مسألة التجديد،هنالك أيضا عنصر ثاني هو ملئ الفراغ الذي تركه الاسلام لشغل العقل البشري وهي منطقة واسعة ذكرها الفقهاء وتركتها الشريعة الإسلامية لأنها تعلم ان ملئها من قبل القرآن أو الاسلام في زمن ما، سوف لا يكون متناسباً مع الزمن التالي وأعطيك مثالاً عملياً ملموساً، القرآن دعا الى الشورى كمبدأ أساسي لتنظيم حياة المجتمع الإنساني، لكنه لم يحدد آليات الشورى، ولم يجب عن الأسئلة المتعلقة بتفصيل الشورى وإنما ترك تحديد الآليات والإجابة عن الأسئلة،تركها للمجتمع نفسه للإجابة عن الآليات و عن الأسئلة بما يتناسب مع حاجاته وتطوره ومستواه،هنا يأتي التجديد بالفكر الإسلامي، ان في كل حقبة تاريخية في كل زمان، في كل مكان، في كل مجتمع يأتي المفكر الإسلامي ويضع من الآليات ومن التصورات ومن التفاصيل التي تملئ منطقة الفراغ فيما يتعلق بالشورى من اجل تحقيق الحكمة الكامنة وراء مبدأ الشورى وهذه تتغير من زمان الى مكان. هنالك ثالثاً مسألة اكتشاف العلاقات الجديدة بين مفردات الاسلام. الإمام علي (ع) يقول ان (القرآن كنز لا تنفد خزائنه) ماذا يعني ذلك؟ القرآن عبارة عن جمل وكلمات محدودة من حيث العدد، لكن لماذا لا تنفد خزائنه؟ أنا بتصوري استمرارية العطاء في القرآن منطلقة من حقيقة ان القرآن ينطوي على مفردات كثيرة يستطيع الإنسان المفكر ان يكتشف يوميا علاقات الجديدة فيما بينها وربما يريد تفكيك هذه العلاقات لينتج عوامل ثقافية أخرى،هذه العملية الدقيقة جدا في التفكير هي أحدى مفردات التجديد في الفكر الإسلامي، لأنه هذه العلاقات الداخلية بين المفردات الإسلامية ممكن ان تتغير بمستوى الفكر الذي يمثله الإنسان المفكر المتسلح بثقافة عصره والمتوطن بأسئلة عصره والذي يبحث عن إجابات هذه الأسئلة من خلال إعادة تركيب وإعادة اكتشاف العلاقات بين هذه المفردات الإسلامية.
*هل من الممكن ان نتخذ من الشورى حلا للعملية السياسية، التي اعتقد إنها تمثل نخبة طاردة للآخر وللقاعدة الجماهيرية ويكون الانتخاب سريا أو تآمريا كما حدث في السقيفة؟
- أنا قلت ان القرآن طرح الشورى كمبدأ لكن لم يطرح التفاصيل، ومن هذه التفاصيل هو من تشمله الشورى من يشترك في الشورى؟ في وقت ما (الإمام علي عليه السلام) قال :ان الشورى للذين في مكة، أكيد هذا التحديد لم يكن تحديدا تشريعياً من قبل الإمام علي عليه السلام إنما كان تحديدا زمنياً، في ذلك الزمان كان لايمكن إجراء الشورى إلا ضمن مدينتي مكة والمدينة لكن حينما يتوسع العالم،تتوسع الدولة وتتوسع آليات الاتصال يمكن ان نغيـّر هذا المفهوم ونقول ان الشورى تشمل جميع البالغين في المجتمع من الراشدين الذين بلغوا عمر 18 سنة. بما انه عدد كبير، فنقول انهم هؤلاء جميعا لا يستطيعون ان يجلسوا مجلسا واحد ويتشاوروا فيما بينهم اذا َ فلينتخبوا ممثلين عنهم وتنتج عملية الانتخاب عن تشكيل مجلس للشورى أو مجلس النواب فيكون هذا المجلس هو الأداة المادية لممارسة الشورى، الآن نحن طورنا كثيرا من آليات الشورى ووسعناها لتشمل كل البالغين، ثم قلنا ان تعذر اجتماع البالغين في مكان واحد يجب ان ينتخبوا ممثلين عنهم، لكي يؤسسوا مجلسا شورويا َ، وبالتالي فمن تشملهم الشورى أمرهم متغير من مكان الى زمان، وهناك أسئلة أخرى متعلقة بالشورى ينبغي على المفكرين الإسلاميين الإجابة عليها مع التثبيت مسبقا ان هذه الإجابات سوف تتغير من مكان الى مكان ومن زمان الى زمان .
* بخصوص خزائن القرآن وعلى ضوء ما قاله الإمام علي (ع) إنها لا تنفد، إلا ترى معي ان القراءات المتعددة للقرآن أنتجت اسلامويات متعددة ومختلفة؟
- يقول الإمام علي (ع) ان القرآن كتاب صامت لا ينطق، إنما ينطق عنه الرجال،اذا ًهنالك طرفان القرآن والإنسان. لا ينبثق المعنى في القرآن من ذاته وإنما ينبثق من ذاته ضمن علاقة جدلية مع القارئ، مع الإنسان أو الشاهد،كما يقال في الالسنيات، مابين الشاهد والنص علاقة جدلية تنتج فهما ومفهوما وفكرا، هذه العلاقة الجدلية تتغير بتغير الشاهد لا بتغير النص ونحن نستطيع ان نقول إننا قد نجد إفهاما بالقرآن بقدر إفهام الشهود فكل شاهد له فهم يختلف عن فهم الشاهد الآخر هذا لا يعني إننا سوف نجد عشرين إسلاما، إنما نستطيع ان نجد عشرين تأويلا وعشرين فهما للإسلام، وبالتالي هو هذا منطق أو منطلق التعددية في الفضاء الإسلامي،هو منطق التعايش أيضا لان الجميع عند الله ينطلقون من مكان واحد هو القرآن، ومن شاء التفاعل معه ينتج فكرا جديد ا.
* هل هناك خشية من محو الخصوصيات الثقافية للشعوب الأخرى، واندماجها في مشهد ثقافي عالمي واحد، هل تؤمن بما يسمى الغزو الثقافي للعولمة؟
- أنا أولا من المؤمنين بظهور الإمام المهدي ومن المبشرين به، ومن ابرز مفردات عقيدة المهدوية هو الإيمان بالعولمة، الإيمان بثقافة واحدة، بالتالي فأنا لا أخاف من وحدة الثقافة هذه الخصوصيات الثقافية سوف تتفاعل فيما بينها لتنتج ثقافة عالمية إنسانية واحدة، طبعا أنا لا أستطيع ان أقول هل هي ثقافة رأسمالية، هل هي ثقافة ماركسية، هل هي ثقافة إسلامية أنا لا أقول هذا الكلام لكنني أقول ان الخط التاريخي لمسيرة البشرية هو ان خصوصياتها الثقافية سوف تتفاعل فيما بينها لتنتج في نهاية المطاف ثقافة عالمية، ولذا أنا لست خائفا من العولمة ولا من العولمة الثقافية، لأنني ابشر بها من منطلقي العقائدي الخاص.
* الآن وبعد الفتنة الأخيرة التي أشعلها (الملثمون) إلى أين يسير العراق؟
- ان لم يسهم ويشارك كل سياسي عراقي وكل إنسان عراقي على إيقاف الكرة المتدحرجة.فانا برأيي وللأسف أقول ان العراق سائر نحو الحرب الأهلية، لان كل عناصر الحرب متوفرة، وأغلب عناصر كبحها غير متوفرة، وبالتالي فالعراق أمام مفترق طرق، والعراقيين أمام خيارين، أما بقاء العراق، وأما الحرب الأهلية، ولكن حتى يبقى العراق يحتاج العراقيون الى فعل سريع وجاد من اجل إيقاف الكرة المتدحرجة الآن، والبدء والشروع بإنجاز مشروع وطني،ثقافي، سياسي، ديمقراطي،يجب على العراقيين مرة ثانية تحت مظلة واحدة، أقول ديمقراطية حتى نستبعد العنف والسلاح منذ البداية، وأقول وطنية حتى تعيد انتماء العراقي لا الى الطائفة ولا الى الحزب ولا الى المنطقة ولا الى العائلة، وإنما الى الوطن الكبير،العراق باعتباره وطنا لكل العراقيين،اذا لم يستطع أفراد النخبة الثقافية والسياسية والاجتماعية من التحرك بسرعة بهذا الاتجاه، فانا يأسفني ان أقول أننا نتحرك وربما بسرعة نحو الحرب الأهلية.
* من اجل تفعيل الحوار والإصغاء للمثقف العراقي تقيم إيلاف حوارات مع النخبة المثقفة في بغداد، مع شعراء وباحثين وسياسيين.
سيرة شخصية وثقافية
محمد عبد الجبار الشبوط
* من مواليد عام 1949.
* مفكر وسياسي وإعلامي.
* هاجر من العراق عام 1976 وعاد إليه عام 2003، أمضى سنين الهجرة، في إيران، الكويت، سوريا، لبنان، وأخيرا بريطانيا.
* رئيس تحرير جريدة الصباح.
* رئيس تحرير مجلة الاسلام والديمقراطية.
* رئيس تحرير إصدارات سلسلة الثقافة الديمقراطية.
الكتب المنشورة:
1-المشروع الحضاري الإسلامي.
2-الاسلام والديمقراطية في معركة البناء الحضاري.
3-كتابات عن الصدر
4-صلح الإمام الحسن (دراسة وتحليل)
5-التخلف السياسي
6-الاسلام والدولة القومية
7-الحركة الإسلامية والجيش في العراق
8-الجديد في الفكر الإسلامي (في النظرية والتطبيق)
9-ملاحظات حول الفكر السياسي الشيعي
10-أسس المجتمع الصالح
11-الإمام الصدر : ثورة إسلامية تسعى الى إقامة دولة عادلة.
12-المجتمع المعصوم (أعلى مراحل التطور البشري)
13-وعي السلطة في مجتمع الخلفاء الراشدين
14-حدود تأثيرات النص الديني على الواقع الاجتماعي
15-المشروع الحضاري الإسلامي والمشكلة الاجتماعية المعاصرة
16-تداول السلطة في الفكر الإسلامي
17-الوعي السياسي الإسلامي.
18-المشروع السياسي لأئمة أهل البيت.
19-تكامل الإنسان بعد ظهور الإمام المهدي.
20-مستقبل الديمقراطية في العراق.
التعليقات