أحمد خضر من دبي: في الماضي كان المسرح مطلباً روحياً وجسدياً، وجزءاً من الكينونة والحياة ذاتها، كان الفنان والكادر المسرحي والمتلقي وجميع محبي المسرح يجتمعون في ملتقيات أشبه ما تكون بالأعياد حين يتم عرض العمل المسرحي الذي يخلق مناخات ثقافية، ويسهم في تجدد الحركة المسرحية وتفاعلها وتطورها، ومن هنا كان المسرح يحمل في طياته بذرة الحياة، ورحيق الإبداع، أما اليوم فإن المسرح يتراجع وينحرف في دوره القيادي، ويتم استنبات أعمال هابطة لا تحمل أي مضمون فكري، بل يكون الغاية منها الربح المادي، وإضحاك الناس أو الضحك على الناس في هذا الزمن المتسارع الذي تجتاح العالم فيه رياح العولمة، بحيث تشكل المادة قوة ضاغطة على الفنان المبدع كي يشارك في هذا المأتم الجنائزي للتجارب المسرحية الإبداعية المتعددة الأشكال والمضامين، والتي كان يغتني منها الحوار النابع من القلب إلى القلب.
لماذا تراجع دور المسرح، وأصبحت الأعمال المسرحية هابطة، وابتعد الجمهور عن ارتياد صالات العرض، وصار العمل الجاد في كل ملتقى مسرحي استثناء؟

نجوم البزنس
يقول الفنان الإماراتي أحمد الجسمي: المسرح بشكل عام يتراجع على مستوى العالم، وبعض الفرق المسرحية العريقة تعاني، والمسألة مرتبطة بعدة أمور منها أن المسألة مرتبطة في الصرف على المسرح، وهذه هي معاناة المسرح الحقيقية التي تبعده عن القيام بدوره في تفعيل الحالة الثقافية، كما كان في الماضي حيث كانت الدول الواعية تهتم بالثقافة بشكل ملموس وواضح، وخاصة بالنسبة للمسرح، وترتبط برواده، وتضع لهم مقاييس خاصة، ولذلك كان المسرح في الأوج، أما الآن وفي عصر التكنولولوجيا والعولمة، فإن التوجه مرتبط بالحالة الاقتصادية، كما الحروب مرتبطة بالاقتصاد والإعلام، أما الاهتمام بالمسرح فيكاد يكون غير مرئي، وليس ضمن سلم الأولويات، لافتاً أن هناك اهتماماً بالثقافة إلى حد ما ولكن ليس كالسابق.
ومضى قائلاً: على مستوى الوطن العربي فإن المسرح ذات الطروحات الجيدة، والمهتم بالقضايا والهموم العربية والإنسانية يتجلى في الفرق الأهلية، أو المسرح القومي، وهذه الفرق تتلقى دعماً من الحكومات، ولا تقدم في أحسن الأحوال سوى عمل أو عملين سنوياً، ولهذا اتجه معظم الفنانين إلى القطاع الخاص المرتبط بالمسرح السياحي، وأضاف: في مصر مثلاً نجد أن النجوم والأصوات الكبيرة تلعلع في الصيف، لأن المسرح القومي شحيح في أعماله، أما مهرجان المسرح التجريبي فنجد أن فرقة الهواة يقدمون عملاً متميزاً، لكنهم يبقون هواة.
وتساءل قائلاً: أين النجوم من هذا كله؟
وأجاب على سؤاله بالقول: إنهم مرتبطون بالبزنس.
وتساءل كذلك عن المسرح الكويتي الذي كان ينافس، ويكون في موضع الصدارة في مهرجانات عربية كبيرة، في أعمال مثل (علي جناح التبريزي) أو حتى العروض الجماهيرية الخاصة.
وذكر الجسمي: أن المسرح وصل إلى حالة محزنة في طرح القضايا همها كسب الفلوس، موضحاً أن الذي يهتم بالمسرح الجاد هي الفرق الأهلية والقومية، ولذا تستحق الدعم من الحكومات، بالإضافة إلى وضع استراتيجية واضحة من أجل متطلبات المسرح.

وتطرق الفنان الجسمي في حديثه عن القضية الأساسية وهي:
هل نحتاج في هذا الزمن إلى مسرح أم لا نحتاج ؟
هل المسرح يعني بالنسبة لنا شيء أساسي أم لا ؟
وأضاف قائلاً: مثل هذه الأسئلة موجهة إلى وزارة الإعلام، ووزارة التربية، بمعنى إذا كان المسرح يعني لنا شيئاً مهماً فيجب على وزارة الإعلام أن تعطي أهمية لهذا الفن، وتستقطب المبدعين والتجارب، وتقوم بزيادة الإنفاق على الفرق المسرحية. وبخصوص وزارة التربية فلا بد أن تعمل بجدية في مسألة تفعيل المسرح المدرسي، حتى يرفد المسرح المحلي بطاقات وفنانين وكوادر مسرحية جديدة في المستقبل.

الأدوات القديمة
أما المؤلف والفنان اسماعيل عبدالله فقال: المشكلة عالمية، وأسباب التراجع كثيرة، منها يتعلق بالمسرحيين أنفسهم، وأخرى بالجهات الداعمة، وأضاف: المسرح لم يستفد من ثورة التكنولوجيا التي تغزو العالم، هذا التسارع غير العادي في صنع الدهشة عند المتلقي عبر وسائل الإعلام المختلفة، بل ما زال المسرح مصراً على استخدام أدواته السابقة القديمة، وهذا بالتأكيد تم تجاوزه من قبل الجمهور الذي ذهب إلى من يقدم له الدهشة غير المتوقعة، ورفض اسماعيل عبدالله تحميل المسؤولية بالمطلق للمسرح العربي الذي يعاني من التجاهل كما قال على المستويات الرسمية، داعياً إياها إلى دعم المسرح والمساهمة في تجذيره في المجتمع، حتى يتمكن المسرح من الانتقال من وضعه التقليدي إلى مستوى يكون فيه مدهشاً ومبهراً. وذكر عبدالله أن أضواء التلفزيون قد سرقت نجوم المسرح، وصناع اللعبة المسرحية من مخرجين وممثلين، وقال كل هؤلاء أصبحوا يعملون في التلفزيون، حيث يحققون شهرة أسرع، ودخلاً مادياً أكبر.

تقليد الغرب
وذكر الفنان عبدالله صالح أن التراجع مرتبط بتراجع الذوق الإنساني الذي انشد إلى الفضائيات، وهذا التطور الهائل الذي خرب ذوق الناس، وهو ما أدى إلى ظهور ما يسمى بالمسرح التجاري الذي يغلب عليه الضعف والإسفاف، وأضاف إن المواطن العربي هو عدو نفسه في هذا المجال، حيث بدأ يتذوق هذه الأنواع التي طغت، وضيعت الأذواق البسيطة، وذكر أن مصائب قوم عند قوم فوائد حيث تخريب الذوق العام يقابله جني أرباح هائلة من قبل المنتجين والمخرجين والنجوم الكبار، الذين عندما نرى أعمالهم وفعلهم التخريبي في المجتمع نبكي ندماً وتأثراً على الماضي الجميل. وقال صالح فئات كثيرة من الشباب بدأوا يقلدون الغرب، وحتى هويتهم ينسونها، وتشبثون بالأجنبي، وهذه أثرت كثيراً على الذوق، وبدلاً من الاستماع إلى أم كلثوم يستمعون لمايكل جاكسون تحت شعار التطور، وقال هذه الظاهرة موجودة في مصر بشكل كبير وبدأت تنتقل إلى دول الخليج وهي ظاهرة مشينة، وذكر الفنان صالح أن الفنانين الخليجيين اشتغلوا عملاً أو عملين في رمضان، ثم شاركوا في أعمال ركيكة إرضاء للمنتج، ومن أجل أن يملأوا جيوبهم، وقال الممثل ساهم في هذا الخراب لدرجة أنك تجد في مهرجانات التسوق ممثلين على درجة كبيرة يقدمون أعمال جاهزة ركيكة لمنطقة الخليج وتفتقر إلى النص المسرحي، حيث يتحول هؤلاء النجوم إلى قرود لإضحاك الناس، وكأن المتفرج في معرض سيارات.