كتب هوشيار محمد: أن مسألة تحريم التصوير في الدين الإسلامي تستوقف الفكر طويلاً للبحث عن مغزى كامن في نهي من هذا النوع ، نهي كان من شأنه أن يفقر النتاج التشكيلي الإسلامي فقراً مبالغاً ، فقر في المواضيع المعالجة و فقر في آليات معالجة ، فقر في أطر الرؤية و هوامشها و فقر في الترجمة .
لتحريم التصوير مرمى أبعد من تجاوز عبادة الأصنام كوسيط روحي بالملأ الأعلى و مفهوماً أوسع من ذلك ، فليس كل ما يصور يُعبد كما ليس كل ما يُعبد يصور بطبيعة الحال ، قد يكون هذا التحريم محاولة لتأسيس مفهوم جديد لفلسفة جديدة تناسب مع التيار الروحي الإسلامي ، مفهوم يحاول إبداء المعنى على حساب الشكل ، إبداء الخالد على حساب الفاني ، الروحي على حساب المادي ، المتحرك على حساب الجامد ، مفهوم يغوص عميقاً في المعنى الكامن خلف الرسم في ثنائية quot;الاسم ndash; الرسمquot; ، كان ببساطة ترسيخ قواعد للفن المقدس التي تمخضت عنها فيما بعد الفن المقدس الخاص بالدين الإسلامي .

كل نقطة و مستقيم و منحني و دائرة و شكل هو واسطة دلالية و رمز يترجم معنى خاصية معينة من خواص الوجود الكلي أو الجزئي ، عندما توظف هذه الدلالات الرمزية بشكل تجريدي بحت تجرد الأشياء عن واقعها و تعيد صياغتها برؤية فنية تعيد تقديمها ككينونة خاصة مستقلة بذاتها و بنفس الوقت متصلة بشكل معقد و متشعب بتناسخات و تفرعات لا نهائية ، تنتج بالمحصلة ترجمة الوعي الروحي الإسلامي و تعبير عن مدارات مداركه الوجدانية مثل quot;الوحدانية ndash; الكلانيةquot; ، quot;الاتصال ndash; الانفصالquot; ، quot;الخلود ndash; الفناءquot; .
الإسلام كدين أممي وظف التجريد لسد حاجته لفن يستطيع استيعاب أنماط بيئية متباينة و ثقافات مختلفة و حضارات متعارضة ، و صياغة فن مقدس يحمل طابعه الديني الروحي الخاص ، فوقع انطباع الصورة مقييد بحدود الصورة و ملازم لها ، كما أنها- الصورة - تحمل معاني دلالية مختلفة بين المناطق و البيئات و الثقافات المختلفة ، في حين وقع انطباع الحرف و الرمز يفتح الآفاق أمام خيال المتلقي في تجربة أكثر تحرراً و إثراء و أكثر توظيفاً لمخزون المعتقدات و المفاهيم ، كما أنه ndash; الرمز ndash; يقدم معاني دلالية واحدة للمتلقي أي كانت بيئته و ثقافته ما دام يقع ضمن دائرة المعتقد ذاته الذي أفرز هذا الرمز .
أن توحيد الفن الإسلامي و حصره ضمن حدود الحرف و الرمز عبر مراحل تاريخه الطويل ولد صعوبة تقبل المتلقي لأنماط أخرى و حتى لتحديث الأنماط السائدة ، ظهور المنمنمات الإسلامية كانت المحاولة الخجولة الوحيدة لكسر بعض الحواجز لكن سرعان ما وأدت هذه المحاولة مبكراً حين لم تنل دعم الأوساط الرسمية فلم تحقق إلا انتشار شحيح ، هذا الحالة من عدم التقبل قيدت الفنان ضمن المرحلة نفسها دون السماح له بالانتقال إلى مراحل جديدة و مستويات أخرى يستخدم فيها أساليب و أدوات تعبير جديدة أو مجددة ، هذه الحالة أدت بالتالي إلى حالات من التشبع تطورت فيما بعد إلى أساليب مبالغة و تفريط في الزخرفة و التشعب و التفنن كتعويض عن أيجاد صيغ و مفردات تعبيرية أكثر حداثة .
هذا التشبع و التشعب ترجم بطرق أخرى أيضاً ، فشغل مساحات العمل بحروف متداخلة و مركبة و متشعبة بالإضافة إلى الحركات و الرموز المتكررة التي تكاد تشغل كامل مساحة العمل دون ترك أي فراغات إنما هي إشارة إلى نفي لوجود الفراغ ، و قد تكون في الوقت ذاته محاولة لشغل المساحات خوفاً من هذا الفراغ .
هوشيار محمد