دوره رئيسي في إدارة المعارك وتبني بعض المرشحين
ميشال سليمان والإنتخابات: رئيس أم مقيم في قصر بعبدا؟

نجم الهاشم من بيروت: كان المشهد معبرا ليل الثلاثاء 7 نيسان/ أبريل الحالي في تدشين المبنى المخصص لهيئة الإشراف على الحملة الإنتخابية في لبنان قبل دقائق من إقفال باب الترشيح للإنتخابات النيابية. تحت لوحة أعدتها وزارة الداخلية تمثل دائرة مفتوحة عليها جزء من بصمة إصبع وعبارة quot; انتخابات 2009 quot; ، جلس رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة ميشال سليمان ونبيه بري وفؤاد السنيورة وقد اتجهت أنظارهم معا إلى اللوحة التي تعتبر عنوانا لمرحلة جديدة من الإنتخابات النيابية في لبنان .

إذا كانت النظرات التقت على اللوحة فإنها تأخذ اتجاهات مختلفة إلى الإنتخابات حيث لكل من الرؤساء حساباته الخاصة ومعاركه الخاصة . فالرئيس سليمان يضطلع بدور الحكم والرئيس بري يخوض المعركة على رأس تحالف قوى 8 آذار/ مارس الذي يضم في شكل أساسي quot;حزب اللهquot; بزعامة السيد حسن نصرالله وquot;التيار الوطني الحرquot; بقيادة العماد ميشال عون، فيما الرئيس السنيورة انخرط في المعركة في شكل مباشر بعدما أعلن ترشحه في اليوم الأخير من مجلس النواب بالذات عن أحد المقعدين السنيين في دائرة صيدا ليدخل في مواجهة مباشرة مع الرئيس بري الذي كان في الجولات السابقة يرعى الثنائية النيابية في صيدا بين شقيقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري النائبة والوزيرة بهية الحريري من quot;تيار المستقبلquot; والنائب أسامة سعد من quot;التنظيم الشعبي الناصريquot; .

المشهد الإنتخابي الطالع من وزارة الداخلية طرح أسئلة كثيرة حول دور الرؤساء في الإنتخابات:
كيف يمكن لحكومة تضم 15 وزيرا مرشحا إلى الإنتخابات بمن فيهم رئيسها أن تكون محايدة في الإنتخابات ؟
لماذا يحق لرئيسي الحكومة ومجلس النواب الإنخراط في المعركة النيابية ترشحا وإدارة ولوائح بينما لا يحق لرئيس الجمهورية ذلك ؟ لماذا لا يكونان محايدين أو محيدين عن المعركة ؟
لماذا على رئيس الجمهورية وحده أن يكون بعيدا ومراقبا فقط ويطلب منه عدم التدخل وحتى عدم رعاية كتلة مستقلة تدور في فلك قراره وإن لم يكن هو وراءها مباشرة ؟
ما هي أهمية هذه الإنتخابات بالنسبة إلى الرئيس ودوره ورئاسته ؟
في ذلك الليل أعلن الرئيس سليمان أن quot; الوطن الصغير استرجع مصداقيته الدولية وصدقيته quot; ودعا إلى اعتماد النظام النسبي في المستقبل ورسم خطا واضحا لرعايته العملية الديمقراطية : quot; نريد خاسرا ينحني أمام خيار الناس تماما كما ينحني رابح أمام ثقة هؤلاء أنفسهم جميعا quot; . فهل يستطيع الرئيس أن يستمر في هذا الدور وما هو تأثير نتائج الإنتخابات عليه ولماذا يكتفي بدور المراقب ؟

لم يكن ممكنا أن يتم انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بسبب اعتراض القيادة السورية وقوى 8 آذار/ مارس على ترشيحه الذي تبنته قوى 14 آذار وقد تعرض لإنتقادات عنيفة وتم تعطيل انعقاد المجلس النيابي لمنع انتخابه.

لقد وصل إلى رئاسة الجمهورية نتيجة أحداث 7 أيار/ مايو الماضي وبعد تسوية الدوحة التي سمحت أيضا بتشكيل حكومة الرئيس السنيورة التي أخذت المعارضة الثلث المعطل فيها بينما لم يحصل الرئيس إلا على ثلاثة وزراء محسوبين عليه ليبدأ أصعب مهمة في إدارة التوازن الداخلي.

قبل 1972 كان رئيس الجمهورية هو الذي يدير الإنتخابات وكانت قوانين الإنتخابات وتقسيمات الدوائر واللوائح والتحالفات تدور في فلكه وحوله. هذا ما حصل مع الرئيس بشارة الخوري الذي صنع مجلسي نواب 1947 و1951 ومع الرئيس كميل شمعون الذي صنع انتخابات 1953 و1957 ومع الرئيس فؤاد شهاب الذي غيّر في انتخابات 1961 و1964 عندما انتقلت اللعبة إلى المكتب الثاني الذي خاض مواجهة صعبة مع الحلف الثلاثي في انتخابات 1968 قبل أن يضع الرئيس سليمان فرنجية بصماته الواضحة على انتخابات 1972.

بعد اتفاق الطائف ومع انتخابات 1992 انتقلت اللعبة إلى سورية ومقر المخابرات السورية في عنجر في البقاع اللبناني وبات اللواء غازي كنعان ثم العميد رستم غزالة من بعده يملكان كل المفاتيح الإنتخابية فيما لم يكن من دور للرئيس الياس الهراوي أولا ثم للرئيس إميل لحود سوى حصة عائلية رمزية . صار مجلس النواب quot; المعيّن quot; يعيّن رئيس الجمهورية فهل تتغير اللعبة مع الرئيس ميشال سليمان ؟

لقد أخذ عليه أنه لم يرفض أن تكون هناك كتلة وسطية تدور في فلكه ، وذلك بهدف شل قدرة رئيس الجمهورية على التأثير في اللعبة السياسية . ولذلك ترتدي هذه الإنتخابات أهمية بارزة بالنسبة إلى الرئيس ودوره.

أول إشارة رئاسية إلى انتقاد دوره في الإنتخابات كانت في دفاعه عن ترشح مستشاره السابق ناظم الخوري عن أحد المقعدين المارونيين في جبيل . قال : quot; إن ما يحرجني هو ترشح صهري أو إبني لا ناظم الخوري ... وإذا اتبع أحد نهج الرئيس فما المانع ؟ سيكون يخصني من دون أن أعرفه quot;.

يكاد يكون هناك إجماع على أن رئيس الجمهورية سيتحول مجرد مقيم في قصر الرئاسة في بعبدا إذا ما فازت قوى 8 آذار/ مارس . فهذه القوى أعلنت أنها ستحكم من خلال تسمية رئيس الحكومة الجديدة ومن خلال تشكيل هذه الحكومة . وهي إن ألمحت إلى مشاركة الآخرين فيها فمن باب إعلان توبتهم وانقلابهم على خياراتهم السابقة . وهناك إجماع أيضا على أن الرئيس يكون مرتاحا اكثر إذا فازت 14 آذار/ مارس بالأكثرية بحيث يتاح له أن يطبق ما قاله عن انحناء الرابح والخاسر أمام خيار الناس . هذا الفوز يجعل الجميع متحررا من تسوية الدوحة التي ربطت انتخاب الرئيس بحكومة الثلث المعطل . وهذه النتيجة قد تطرح علامات استفهام كثيرة حول خيارات قوى 8 آذار/ مارس : هل تترك الرئيس يحكم ويضطلع بدور الحكم ؟ أم أنها ستعود إلى ضبط اللعبة السياسية عبر الشارع وليس عبر المؤسسات الدستورية، ذلك أنها لا تستطيع أن تتحمل رئيسا وأكثرية نيابية من 14 آذار/ مارس وقد قاتلت من أجل منع حصول هذا الأمر؟

هذه المسألة أساسية بالنسبة إلى الرئيس الذي سيكون عليه أن يشرف أيضا على الإنتخابات النيابية سنة 2013 التي ستأتي بمجلس نواب ينتخب الرئيس المقبل . والفرق كبير ، كما أن الرابط كبير أيضا ، بين انتخابات بداية العهد وانتخابات نهاية العهد . ولذلك يرتدي دور الرئيس أهمية كبرى في إدارة المعارك الإنتخابية وفي تبني بعض المرشحين في بعض الدوائر . ولا يمكن القول أن هذه المعركة لا تعنيه ، فإما أن يظل رئيسا يدير التوازن ويقرر في الأحداث الداخلية ، وإما أن يتحول مجرد رئيس ينتظر انتهاء ولايته أو يصارع من أجل البقاء في قصر بعبدا إذا تم الطعن بشرعية انتخابه التي ستعتبر قوى 8 آذار/ مارس أنها انتهت بانتهاء شرعية الأكثرية النيابية التي انتخبته ولم تكن تعبر عن الأكثرية الشعبية ، وبالتالي يمكنها أن تطالب بإنهاء ولايته وانتخاب رئيس جديد غيره يكون تعبيرا عن خيارات الناس . والرئيس سليمان لم يصل إلى القصر الجمهوري من أجل أن يكون مجرد إسم يضاف إلى لائحة الرؤساء.