بلال خبيز: يطالب الجنرال ميشال عون بتمثيل نسبي في الحكومة التي يفترض ان يشكلها الرئيس المكلف سعد الحريري. التمثيل النسبي لا يعطي المسيحيين اللبنانيين ارجحية على المسلمين في الحكومة. المفترض ان لبنان بجناحيه، وهما جناحان متساويان. المطلوب عملياً هو تحجيم ادوار القوى السياسية المسيحية الأخرى بحسب ما اسفرت عنه نتائج الانتخابات. هذا فعلياً لا يضير السنة او الدروز او الشيعة لكنه يصيب المسيحيين بضرر. والحال، لو ان الحكومة تشكلت بمعزل عن تمثيل quot;التيار الوطني الحرquot; بقيادة ميشال عون وquot;تيار المردةquot; بقيادة سليمان فرنجية، فهذا ايضاً لن يضير الشيعة ولا السنة ولا الدروز، لكنه يضر بالمسيحيين. ولو تم الأخذ باحتمال ثالث يقضي بتقاسم المقاعد الوزارية المسيحية بين مسيحيي 14 آذار ndash; مارس، ومسيحيي 8 آذار ndash; مارس، وقضمت حصة رئيس الجمهورية الماروني هو الآخر فإننا حتماً سنصل إلى النتيجة نفسها.

المسيحيون اللبنانيون امام مأزق تاريخي في ما يظهر. ذلك انهم مدعوون جملة وتفصيلاً للمشاركة في السلطة، لكنهم غير مدعوين للمشاركة في المشروع. لطالما كانت الطوائف اللبنانية تحمل مشاريعها الخاصة وتعرضها على الشركاء من طوائف البلد الأخرى سعياً إلى نيل حصة وازنة في السلطة، إن لم يكن امر الهيمنة على الطوائف الأخرى ممكناً. وكثيراً ما تجاور وتعايش في لبنان أكثر من مشروع سياسي ونهضوي واقتصادي. لكنها واحدة من المرات القليلة التي يجد المسيحيون اللبنانيون انفسهم امام خطر اندثار المشروع مقابل المشاركة في السلطة. على اي حال، لم يكن انسحاب نسيب لحود من السباق الانتخابي الاخير، إلا علامة على رقة حاشية المشروع المسيحي في البلد، ورغبة الاطراف المسيحية عموماً في الإبقاء على الكراسي من دون استناد إلى الأرضية التي تقوم عليها هذه الكراسي.

المشاريع السياسية في لبنان لا يقوم اودها فقط على اللبنانيين انفسهم. انها مشاريع يتداخل فيها الخارج والداخل بصورة معقدة، حتى يمكن القول ان كل مشروع سياسي في البلد هو داخلي مئة في المئة وخارجي مئة في المئة. وعليه فإن افتقاد المسيحيين اللبنانيين إلى الركيزة الخارجية لمشروع ما يتحملون مسؤوليته ويحملون لواءه يبدو عنصراً من عناصر تأزيم الوضع المسيحي عموماً والماروني بوجه خاص. وهذا على الأرجح كان سبباً في هزيمة آخر مشاريع الحكم المسيحية ndash; المارونية في لبنان في العقد ما قبل الأخير من القرن الماضي، سواء منها مشروع ميشال عون حين كان لا يزال رئيساً للحكومة العسكرية التي شكلها الرئيس السابق امين الجميل، عام 1988، او مشاريع القوات اللبنانية المتعاقبة والمتعارضة في ما بينها، من مشروع بشير الجميل إلى مشروع ايلي حبيقة وصولاً إلى مشروع سمير جعجع. كل هذه المشاريع انتهت نهايات مفجعة في لحظة من لحظات التاريخ اللبناني، وما استعيد منها منذ منتصف العقد الاول من القرن الحالي بدا مفتقداً لقدرته على عبور الحدود الضيقة للطائفة والمنطقة ولو صورياً.

في السنوات القليلة الماضية خاضت طوائف لبنان كافة صراعات مريرة وعنيفة، هددت مستقبل لبنان دولة ووطناً باعتراف الاطراف المتصارعة نفسها. مما جعل استقرار لبنان مطلباً لبنانياً عاماً ويسهل تسويقه عربياً ودولياً. ذلك ان لبنان بأزماته المتكررة المفهومة احياناً وغير المفهومة في معظم الأحيان، استحضر تدخلات دولية وعربية كانت ترى في التثوير اللبناني لأوضاع المنطقة جملة في غير محلها، خصوصاً ان ليس ثمة مشاريع كبرى في المنطقة من اي نوع، وان المراوحة كانت سيدة الموقف على كافة الجبهات. لذا بدا استقرار لبنان مطلباً دولياً وعربياً بذل من اجل تحقيقه العرب والغرب جهوداً فائضة.

والأرجح ان مطلب استقرار لبنان المرغوب دولياً وعربياً واقليمياً حتى الآن، شكل من دون شك فرصة تاريخية للمسيحيين اللبنانيين للتمسك بمشروع استقرار البلد وتحييده عن النزاعات الخارجية والمحاور الإقليمية بدعم دولي وعربي لا مراء فيه. لكن اسباباً كثيرة، واخطاء اكثر حملت المسيحيين على الدخول في لعبة الأحلاف توخياً للحصول على مكاسب آنية في السلطة. ولم يبرز اي طموح فعلي لصناعة دور ومشروع توحيدي او توفيقي يعبر بين الطوائف المتصارعة ويستفيد من صراعاتها التي هددت وجود لبنان برمته. بل بدا ان خصوم القوى السياسية المسيحية الفعليين هم من المسيحيين انفسهم. والحق ان ميشال عون المطالب اليوم بتمثيل نسبي في الحكومة العتيدة إنما يريد ان يأخذ حصة سمير جعجع في الحكومة ولن يكون في إمكانه في اي حال من الأحوال أخذ حصة سعد الحريري.

ربما يجدر بالمسيحيين اللبنانيين ان يتذكروا ان النزاع الذي خاضه الطرفان الشيعيان المسيطران على المشهد الشيعي اليوم كان ذات يوم دامياً ومصيرياً، لكن حزب الله اليوم لا يرى في ترؤس نبيه بري للمجلس النيابي خسارة له من اي نوع، حتى لو صدق الرئيس بري في نيته التوسط بين اللبنانيين.