بيروت: يحمل صغار المنتجين مزروعاتهم الطبيعية وماكولاتهم البلدية كل يوم سبت من مناطق لبنانية مختلفة الى quot;سوق الطيبquot; في وسط بيروت التجاري حيث يتوحد اللبنانيون المنقسمون طائفيا وسياسيا حول شغفهم بالطعام الصحي واللذيذ.

وفي موقف السيارات في وسط العاصمة الذي يتحول السبت الى quot;سوق الطيبquot;، يعرض ابو حسين منصور من قرية درزية في البقاع الغربي (شرق) منتجاته.

والى المكان نفسه، اتت منى الدر من قرية شيعية قرب الحدود مع اسرائيل، فيما قدم سركيس ولينا جريس من بلدة مسيحية في شمال البلاد. وينضم هؤلاء الى اخرين في التنافس على كل ما له علاقة بالطعام بدل السياسة.

ويقام سوق الطيب الاربعاء في مركز تجاري ضخم في شرق بيروت.

ويلتقي المزارعون ومنتجو المأكولات الصحية مرتين اسبوعيا ليعرضوا موادا غذائية طازجة: خضار وفواكه طبيعية، عسل وزيت زيتون ومربيات بيتية، مأكولات تقليدية تصل جميعها من المزارع او المنتج الى المستهلك مباشرة من دون وسيط.

ويقول كمال مزوق الذي اطلق quot;سوق الطيبquot; عام 2004 quot;السياسة ليس لها وجود في هذا السوقquot;.

ويتحدر مزوق من عائلة مزارعين وسبق له ان عمل رئيس طهاة ومقدما لبرنامج تلفزيوني. وهو يتكلم بشغف عن مشروعه الذي يهدف الى انعاش طقوس المطبخ اللبناني وخصائصه.

ويقول quot;في النهاية، التراث هو نوع من انواع الوراثةquot;، لافتا الى ان الماكولات لا ديانة لها انما لها خصائص مناطقية.

ويضيف quot;سواء كان المرء مسلما او مسيحيا، يتناول الطعام نفسه والاختلافات بين المأكولات مجرد اختلافات ترتبط بالمناطقquot;.

ولا يهتم العارضون في quot;سوق الطيبquot; بالاضطرابات السياسية التي هزت البلاد في السنوات الاخيرة ووضعت الطوائف والمذاهب المختلفة في مواجهة بعضها، بل تتمحور اهتماماتهم حول كل ما له علاقة بالغذاء: من يقدم افضل صحن من الكبة او ألذ صحن من التبولة او من يزرع بشكل افضل الفواكه والخضار.

ويقول ابو منصور (54 عاما) الذي يرتدي زي الدروز التقليدي ويداعب شاربه الاغبر quot;بات واضحا ان توحيد الناس يتم عبر الحوار. هذا ما نقوم به هنا ولكن عبر الماكولاتquot;.

وتنحني ريما مسعود (42 عاما)، وهي ام لثلاثة اولاد، فوق الصاج لخبز المناقيش. فقد وفرت لها هذه المهنة المستجدة مدخولا سمح لها ان ترسل ابنتها التي لم تتعد السابعة من عمرها الى مدرسة خاصة، كما فتحت امامها المجال للتفكير بمشاريع اخرى.

وتقول ريما quot;غير سوق الطيب مجرى حياتيquot;، مشيرة الى ان مورد رزق عائلتها الوحيد كان موسم الدراق في الصيف، مشيرة الى انهم quot;كانوا يقترضون المال لتمضية فصل الشتاءquot;.

وتضيف quot;الان اصبح بامكاني كذلك ان اخطط لتجديد منزلي او لشراء ما احتاجهquot;.

ويجد زوار quot;سوق الطيبquot; تشكيلة واسعة من المنتجات من نوعية جيدة جدا: خضار وفواكه عضوية، عسل وحلويات واجبان وخبز وصابون الغار، اضافة الى مكونات المونة البيتية التي درج اللبنانيون في الماضي على تخزينها لفصل الشتاء.

وفي اطار مسعاه للحفاظ على التراث، يروج مزوق لماكولات تقليدية قل تناولها ومنها الفاصوليا الحمانية (نسبة الى بلدة حمانا شرق بيروت) والعكوب (نوع من الثمار ينبت في الاحراج) والمورقة وهي حلوى تشبه البقلاوة.

وينتمي معظم رواد quot;سوق الطيبquot; الى الطبقة الميسورة لان منتوجاته تباع باسعار اغلى من الاسواق الاخرى. ورغم ذلك، يزاد الاقبال عليه، ما دفع بمزوق الى تنظيم احتفالات متنقلة للماكولات في مناطق لبنانية متعددة.

كما يعتزم مزوق قريبا اقامة quot;طاولة سوق الطيبquot; التي ستقدم ماكولات تشمل الاطباق التي تشتهر بها المناطق المختلفة.

ويقول quot;اشعر باعتزاز كبير عندما اسمع بان مشروعي ساهم في تحسين حياة احد المشاركينquot;.

وكان مزوق رفض اقفال quot;سوق الطيبquot; خلال الحرب بين اسرائيل وحزب الله في لبنان في صيف العام 2006 او بسبب الاضطرابات السياسية التي عاشتها البلاد في السنوات الاخيرة.

ويقول مزوق quot;رسالتنا الاساسية هي اصنعوا الطعام لا الحربquot;.

ويؤكد احمد خضر حسين وهو مزارع سني من منطقة عكار في شمال لبنان، ان quot;سوق الطيبquot; جعل حياته افضل.

ويقول حسين (53 عاما) وهو اب 1ل5 صبيا وبنتا quot;اعيش مما اكسبه من هذا السوق يومي السبت والاربعاءquot;.

ويضيف quot;لدينا نحو 47 عائلة تعيش متحدة في هذا السوق الذي يشكل مورد رزقها الوحيدquot;، معربا عن اسفه quot;لان لبنان كله ليس على صورة سوق الطيبquot;.