يشكو الناس في بغداد تحديدا من سوء الخدمات في المستشفيات ومن تعامل الأطباء بالدرجة الأولى ، ويرون ان الكثيرين منهم لا يمتلكون الانسانية التي يجب ان يمتلكها من لديهم حياة الناس مؤتمنة ، والذين منحهم الله القدرة على شفاء الناس وعلاجهم من الأمراض التي يصابون بها ، والشكوى مستمرة الى حد الخوف من فقدان الحياة بسبب السلوكيات التي يتبعها بعض الأطباء .
يقول الكثير من الناس إن الأطباء في العراق أصبحوا ماديين الى حد كبير ، وإن مهنة الطب (الانسانية) صارت بالنسبة إلى الكثيرين منهم (تجارة) أي أنهم يتاجرون بحياة المريض ، فهم لا يهتمون الا بمن يذهب الى عيادتهم الشخصية ، وهناك يتم التعامل مع أهل المريض و(التفاوض) معهم ، وإن أغلب الأطباء يمارسون هذا العمل بأساليب مختلفة ولديهم أشخاص يقومون بدور المحرّض او القائم بحضّ أهل المريض على زيارة الطبيب في عيادته الخاصة ، وهذا الشخص يتقن دوره بنجاح تام لانه يبدي تعاطفا كبيرا مع المريض ويعلن خشيته على حياته ويقوم بدور الناصح ، وهكذا يكون الطريق سالكا الى عيادة الطبيب . يقول لي المواطن أحمد : تعرض أبي الى جلطة قلبية ، فذهبنا به الى أحد المستشفيات العامة ، فما بقينا أكثر من ليلة واحدة لعدم وجود أي اهتمام ، تركونا في الغرفة وذهبوا ولم يزرنا أحد ، في الصباح جاءتني ممرضة وقالت لي : ان بقي أبوك في هذا المستشفى ستخسره قريبا ، فأذهب به الى مستشفى آخر ، فحملت أبي ونقلته الى مستشفى سمعت أنه مستشفى جيد ، وبالفعل وجدنا النظافة جيدة والعناية أفضل ولكن كل شيء بثمن والليلة الواحدة بخمسين الف دينار / نحو 45 دولارا ، لكن الغريب ان في اليوم الأول جاءنا الطبيب باكرا وفحص ابي جيدا ، لكن في اليوم الثاني لم يأت ، انتظرناه ثم سألنا عنه فقيل ربما لديه عمليات ، لكنه في اليوم الثالث لم يأت ايضا ، استغربنا وحاولت البحث والسؤال عنه ولكن دون جدوى ، ولكن بعد الظهر جاءنا شاب وابدى تعاطفا كبيرا معنا ومن ثم قال لي : أنصحك نصيحة اذا أردت ان يعيش أبوك فعليك ان تذهب الى عيادة هذا الطبيب ، ثم أعطاني عنوان العيادة ومضى ، وبعد ان ذهب قالت لي اختي : هكذا يتعامل الأطباء مع المرضى. أما زهرة عباس فقالت : والله أنا لم ار أكثر طمعا من الأطباء وربما بعضهم لا يخاف الله ولديه المهنة تجارة مثل أي تجارة ، فقد كنت حاملا وطلبت مني الطبيبة تخطيطا للقلب ، فذهبت لطبيب وصفه لي البعض بأنه جيد ، فدخلت عليه وكان وجهه سمحا يقطر الايمان منه ، وحين اعلمته بطلبي قال هل تريدين معاينة ام تخطيط قلب فقط ، قلت له تخطيطا فقط ، فتغيرت ملامح وجهه وذهبت علامات الايمان منه ، ونادى على امرأة تساعده لتقوم بوضع جهاز التخطيط ، وبعد ان اكمل لف ورقة التخطيط ، وقال لي : خذي لن اقول لك شيئا عن التخطيط، سألته لماذا قال: لانك تريدين تخطيطا فقط ،هاتي 20 الف دينار، ليس من شأني ان اقول لك ما فيه الا اذا طلبت منه المعاينة وساعتها عليك ان تدفعي أجرة المعاينة التي هي عشرون الف دينار ، قلت له وانا ارفع بطني المنتفخ بيدي : بارك الله بك دكتور وكثر من أمثالك الجشعين الذين لا رحمة لديهم مع المرضى ، فلم يرد واشار اليّ بيده للخروج ، يا عيني ضاعت الانسانية من قلوب الاطباء . وحين نقلنا المعاناة التي سمعنا جزءا منها الى الدكتور صلاح الحداد،عضو اتحاد أطباء العراق ، قال : من المهم البحث عن الأسباب للموضوع ...كل ما ذكرته نتائج ، ومن أهم الأسباب من وجهة نظري وأضاف : مع اني لا أتفق معك ان الاجور في القطاع الخاص كبيرة ،بالنسبة إلى الطبيب وحده طبعا، لكن مجموع الأجور من كشفية وتحليل مختبر وأشعة وسونار وعلاج صيدلية خاصة ..بمجموعها تشكل نسبة كبيرة وعالية للمتوسط الدخل اليوم ...، كل مفصل أو فقرة من الفقرات التي ذكرتها تحتاج الى تحديد أجور ودراسة مشاكلها ومعوقات عملها ...وليس فرض تحديد أجور عشوائي الغرض منه المزايدة السياسية للاهتمام بصحة المواطن ،وفي النهاية لا يطبق منه شيء، أنا أتفق معك ان السواد الأعظم من الاطباء تختلف معاملته للمرضى في العيادة عن معاملته لهم في المستشفى او القطاع العام ، وهذا بسبب العديد من الاسباب ، ويحتاج كل منها الى نقاش طويل ، أما موضوع الانسانية فانا اعتقد ان كل المهن انسانية ... ليس من الحكمة وصف مهنة دون أخرى بالانسانية ..لكن لنقل ان لمهنة الطب خصوصية ..لكنها تحتاج ايضا الى تنظيم وجهد كبيرين من المشرفين على سلامة هذه المهنة للارتقاء بها . وختم الطبيب صلاح حديثه بالقول : في النهاية، اقول ان مهنة الطب في العراق تنهار يوميا ..بسبب ممارسات وزارة الصحة واصحاب القرار من جهة ..وبسبب ممارسة الذين يمتهنونها من الأطباء وباقي الكوادر الصحية من جهة اخرى ، ونحتاج الى ارادة حقيقية من الجميع لوقف هذا الانهيار.
قف قريبا من ردهات أي مستشفى وستسمع العجائب من المرضى ومن يهمه أمرهم ، عن سوء سلوكيات الأطباء معهم ، لا يمكن التعميم طبعا ولكن الأغلبية من الأطباء مصابة بالجشع ، سواء الذين داخل المستشفيات الحكومية أو في عياداتهم الخارجية ، فهنالك لا أحد يرى سوى (الفلوس) فالذين في الداخل لا يعتنون بك لانهم يدخرون جهدهم لعياداتهم ، والذين في الخارج بين آونة وأخرى يرفعون أجرة المعاينة او (الكشفية) وحين تسأل لماذا يأتيك جواب ربما تسخر منه حيث هم يحملونك حتى أسباب الزحام الذي في الشارع والأمن غير المستتب وقلة عدد المرضى في عيادته الى غير ذلك من الكثير من الأمور.
وأضاف : وذهبت الى عيادته وعرفته بنفسي فرحّب بي ترحيبا كبيرا كاد يعانقني ، وهو يقول استرح واسترحت على كرسي قريب منه ، ولم يسألني حاجتي بل نطقت بها انا ، فقال ولا يهمك من يوم غد سأكون في غرفة ابيك ، وبعد قليل نهضت وفتحت جارورا ووضعت فيه بعض المال وغادرت وهو ينهض لي ، وفي اليوم التالي جاء من الصباح الباكر ليكشف على أبي ، فقلت يا سبحان الله ، هل هؤلاء أطباء فعلا ام تجار ؟ !!.
1- عدم فصل القطاع العام عن الخاص ...وهذا يخلق ما يسمى (تضارب المصالح )، حيث ان الطبيب صباحا في المستشفى او المؤسسة الصحية العامة ..، وعصرا في العيادة او المستشفى الخاص ..، فلمن الولاء يكون ..؟طبعا الى المكان الأكثر ربحا ....الدولة غير مهتمة بفصل القطاعين ..لانها غير مهتمة أصلا او أنها تصطنع الاهتمام بالقطاع العام ، وعندما نريد تحسين الخدمة في القطاع العام (وهذا مرتكز الحل برأيي) نحاول ان نحدد عمل الطبيب او المنتسب الصحي في مكان واحد فقط ..وفي المقابل نعطيه اجورا مناسبة لذلك ..ونطلب منه ان يكون جهده كله منصبا في مكان واحد ولمصلحة جهة واحدة ، لكن ان يكون جهد الموظف في مكانين ..هذه مصيبة .
التعليقات