قد يستغرق أسرع فحص للكشف عن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية فترة تصل إلى 72 ساعة، لكنّ فحصًا جديدًا يختصر الوقت إلى 45 دقيقة في أقصى حد. وهو اكتشاف من شأنه أن ينقذ حياة الآلاف سنويًا.
أمجد الشريف من برلين: تقدر وزارة الصحة الألمانية التقاط البكتيريا المرضية من قبل 400 إلى 600 ألف ألماني في أثناء العلاج في المستشفيات، وموت نحو 15 ألفًا منهم سنويًا. في وقت تكشف جمعية الرقابة على الوقاية الصحية في المستشفيات الألمانية ضحايا البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات عن نحو 30 ألف حالة.

ضحايا الوقت

معظم هؤلاء المرضى هم من ضحايا البكتيريا العصية على المضادات الحيوية، وتتوقع دراسة حديثة أن تزداد أعدادهم إذا ما واصل الأطباء استخدام نفس المضادات الحيوية التقليدية.

يعالج الأطباء في المستشفيات الألمانية 30 في المئة من مرضاهم بالمضادات الحيوية، وهي نسبة عالية بحسب الخبراء الذين يعتقدون أن العلاج بالمضادات الحيوية لا لزوم له بنسبة 30 في المئة من هذه الحالات. فالمبالغة في استخدام المضادات الحيوية تقوي مناعة البكتيريا التي ثبت أنها تتطور أسرع من تطوير المضادات الحيوية لها على أيدي العلماء.

عممت جامعة كولون الطبية، بالتعاون مع المركز الألماني لبحوث العدوى البكتيرية، تقريرًا صحفيًا يتحدث عن نجاح الخبراء في تطوير فحص للكشف عن البكتيريا الشديدة المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات خلال فترة تتراوح بين 20 و45 دقيقة.

أسرع وأدق

معروف أن فترة تشخيص إصابة المريض بهذا النوع من البكتيريا يستغرق بين 16 و72 ساعة. تثبت الدراسات السابقة أن هذا الوقت الطويل من أهم أسباب موت آلاف المرضى في المستشفيات، واختصاره ينقذ حياة آلاف أخرى.

فقد ابتكر الأطباء فحصًا "وقائيًا لونيًا" للكشف عن البكتيريا المقاومة للمضاد الحيوي "كاربابينيم" في الدم. وأثبتت التجارب أن الفحص نجح في تشخيص هذه البكتيريا بنسبة 100 في المئة، وأنه يتفوق على الفحوصات المختبرية الأخرى من ناحية الزمن والدقة.

معروف أيضًا أن المضاد الحيوي "كاربابينيم" استخدم حتى الآن بنجاح في معالجة التهاب الدم البكتيري ببكتيريا "غرام سلبي" من إيشيريشيا كولي، إلا أن هذه البكتيريا زادت مقاومتها لهذا العقار الذي يعتبر آخر سلاح احتياطي ضدها.

يعتبر هذا النوع من التسمم الدموي البكتيري من أخطر الأنواع على حياة المرضى.

وتعود مقاومة بكتيريا ايشيريشيا كولي"غرام سلبي" إلى إنزيم "كاربانيبينمازن" الذي تفرزه من داخلها ويحطم المضاد الحيوي لها. تعتبر بكتيريا كليبسيلا كاربانيبينمازن الرئوية (KPC)، وميتالو بيتالاكتاميز نيو دلهي (NDM) من أشهر البكتيريا المقاومة للمضاد الحيوي كاربابينيم، ومن أكثر البكتيريا شراسة في المستشفيات.

سريع وغير مكلف

يقول أطباء في جامعة كولون إن الفحص الجديد يختصر مهمة زرع عينات الدم في المختبر واستنباتها، وهو سر زمنه التشخيصي القصير. المهم أيضًا أنه غير مكلف، بنسخته الحالية، أكثر من 10 يورو، ومن الممكن لكل مستشفى أو عيادة طبيب تجربته في مختبر الكيمياء البيولوجية لسهولته.

ذكر البروفيسور أكسيل هامبريشت، من معهد الميكروبيولوجي السريري في جامعة كولون، أن الفحص الجديد قرب البشرية من كسر مقاومة البكتيريا العدائية في المستشفيات. وأشار إلى أن اختصار كل دقيقة في تشخيص سبب الالتهابات في المستشفى ينقذ حياة الكثيرين.

أضاف أن التجارب الحالية أثبتت أن الفحص سليم، لا تتخلله مخاطر على حياة المريض. وأشار إلى الحاجة إلى مزيد من الدراسات السريرية قبل أن يحل الفحص "الوقائي اللوني" محل الفحوصات المختبرية التقليدية.

تحذيرات إضافية

حذرت الباحثة إليزابيت ماير، من معهد البحوث الوقائية وصحة البيئة الألمانية، اعتمادًا على إحصائيات رسمية بريطانية وألمانية وفرنسية، من أن عدد ضحايا البكتيريا العصية البالغ 700 ألف&اليوم سيقفز إلى 10 ملايين في عام 2050 ما لم تجد البشرية حلًا لهذه المعضلة.

تتكهن الدراسة التي أعدتها ماير، بالنظر إلى مستويات الوقاية المرتفعة في أوروبا، أن يرتفع عدد ضحايا البكتيريا المقاومة من 23 ألفًا اليوم إلى 400 ألف في عام 2050. وبهذا ستتفوق هذه البكتيريا بعد 35 عامًا، من ناحية بطشها بالإنسان، على الأمراض السرطانية التي يحقق العلم في علاجها خطوات أسرع من خطواته في كسر مقاومة البكتيريا المرضية الخطيرة.

حذرت الدراسة أيضًا من أن الاستمرار في استخدام المضادات الحيوية بالطريقة التي تجري عليها الآن سيرفع نسبة البكتيريا العصية على المضادات الحيوية، ويؤدي إلى نشوء أجيال جديدة من البكتيريا المرضية العدائية التي قد تعجز البشرية عن كبح جماحها. يقدر العلماء نسبة البكتيريا العصية على المضادات الحيوية ((MRSA بنحو 10 في المئة من مجموع البكتيريا المرضية المعروفة.