فينيسيا :

لم ينجح مهرجان البندقية السينمائي، رغم مرور أسبوع على انطلاق دورته السابعة والسبعين، في وضع حدّ لمعاناة السياحة في المدينة الشهيرة، وفي إنعاش الحركة فيها، إذ لا تزال تعاني تبعات جائحة كوفيد-19 ومشكلة ارتفاع منسوب المياه.

كانت 2020 سنة سيئة للبندقية

فقبل أن تبدأ، بلغ المدّ في نوفمبر 2019 أعلى مستوى له في 50 عاماً، مما جعل المياه تجتاح شوارع المدينة، وتغرقها في الأضرار الاقتصادية والمخاوف.

وفي فبراير، شهدت منطقة فينيتو التي تتبع المدينة لها أول حالة وفاة في إيطاليا بفيروس كورونا المستجد الذي حصد بعد ذلك أرواح 35 ألف شخص في البلاد.

وكان أبناء البندقية يأملون في أن يؤدي المهرجان السينمائي العريق الذي انطلق في الثاني من سبتمبر إلى انتشال المدينة من حال الركود السياحي.

ولكن بعد أسبوع على افتتاح الـ"موسترا دل سينما" على شاطئ الليدو، الواقع على بعد نحو 20 دقيقة بالقارب من البندقية، يبدو أن الرياح لم تجر بما تشتهي...قوارب الغندول.

وتقول فرانشيسكا، وهي منظّمة رحلات سياحية في البندقية "لم يتغيّر الكثير". وتلاحظ أن المدينة "تبدو فارغة".

واعتاد سكان البندقية على أن يتدفق إلى مدينتهم سنوياً نحو 30 مليون سائح، مما يجعل عبور جسر "ريالتو" الشهير أو التقاط صورة على "جسر التنهدات" مهمة بالغة الصعوبة.

غياب السياح

الغياب الأبرز هذه السنة هو للسياح الأميركيين والصينيين وسواهم من الذين لا يزال سفرهم إلى إيطالياً محظوراً.

وتعلّق فرانشيسكا على قلّة عدد السياح هذه السنة قائلةً "إنه لأمر يحزنني من جهة، لكنه رائع"، مشيرة إلى أن جميع أفراد عائلتها يعملون في مجال السياحة.

ومع أن عدد السياح بات أكثر من عدد طيور الحمام والنورس في ساحة سان ماركو، ورغم بلوع نسبة إشغال الفنادق 40 ألى 50 في المئة، بحسب رئيس البلدية، لم تعد الحركة في البندقية بعد إلى طبيعتها.

فثمة محال كثيرة لا تزال مغلقة بسبب تدابير الحجر المرتبطة بجائحة كوفيد-19. ويوم الثلاثاء مثلاً، كان ثلث المحال فحسب مفتوحاً في محيط ساحة "سان ماركرو"، يتنزه بضع مئات من السياح أممها مستمتعين بالطقس المشمس.

ويشير أهل البندقية إلى أن جمهور المهرجان لا يخرج بالضرورة من "فقاعته" السينمائية على الليدو. ويلاحظ أندريا دي روسي، وهو بائع سمك في "ميركاتو دي ريالتو"، أن "ثمة أناساً يأتون، ولكن لا يأتون ليشتروا".

ويضيف "كانت سنة صعبة لنا جميعاً. مجرّد كوننا فتحنا محالنا هو أمر رائع". ويشكو دي روسي أن أعماله تراجعت بنسبة 80 في المئة هذه السنة، مشيراً إى أن السببت الرئيسي في ذلك يتمثل في إقفال عدد من مطاعم المدينة.

ويقام المهرجان هذه السنة، في دورته السابعة والسبعين، بحجم أصغر مما كان سابقاً، إذ أن استمرار تطبيق القيود على السفر منع الكثير من النجوم والمخرجين ومسؤولي القطاع من حضوره.

ومع ذلك، تفيد المطاعم والحانات وسواها من المؤسسات المنتشرة على الليدو من جرعة نشاط موقتة على الأقل بفضل حضور هذا الحشد السينمائي في المهرجان.

وتصف النادلة بيتيليهيم بيلاسترو المهرجان بأنه "مغامرة" سنوية توفر "قدراً كبيراً من العمل لكثير من الناس".

لكنّ آخرين يَبدون أكثر تشاؤماً، ومنهم سائق التاكسي المائي والتر. ويقول "ثمة بضعة أفلام بالكاد. إنه مهرجان سياسي كان مطلوباً أن يقام مهما حصل، ولو من دون مضمون، لإظهار كون البندقية لا تزال حية". ويضيف "المهرجان في رأيي مسألة تتعلق بالصورة فقط".

ويبلغ عدد سكان البندقية راهناً نحو 50 ألفاً يتحسرون على تراجع عدد المقيمين، وعلى الارتفاع السنوي لمنسوب المياه، إضافة إلى الخطر البيئي المحدق بالمدينة الهشة نتيجة السياحة الشعبية.

وقد وصل الارتفاع الدوري لمنسوب المياه 187 سنتيمتراً في نوفمبر ، وهو أعلى مستوى منذ عام 1966.

وأعلنت المدينة حال الطوارئ، إذ غمرت المياه المتاجر والبيوت وأكثر من 50 كنيسة، مما أدى إلى أضرار بلغت قيمتها ملايين الدولارات، وإلى انهيار الحركة السياحية.

وفيما كانت المدينة العائمة تعيد تعويم سياحتها، جاءت ضربة كوفيد-19 القوية. وتقول لوميني فاندا (75 عاماً)، وهي صاحبة متجر، إن أبناء البندقية يدركون أنهم ليسوا وحدهم من يعاني جرّاء الآثار الاقتصادية القاسية للجائحة.

ومع ذلك، تعتبر أن شعور السكان اليوم بانعدام الاستقرار أسوأ من كل ما مرّت به في حياتها.

في مارس الفائت، حسم مالكو محل الاحذية وحقائب اليد الذي تشغله فاندا على جسر ريالتو نصف قيمة بدل الإيجار البالغة خمسة آلاف يورو، لكنّ هذا الحسم ينتهي في آخر السنة. وتقول فاندا "في يناير سيطلبون إيجار خمسة أشهر، فمن يدفع هذا المبلغ"؟