نالت شركة "إيرباص" الأوروبية من السلطات الأميركية براءة اختراع، يقضي بجعل مقصورة الركاب منفصلة عن جسد الطائرة؛ تركّب وتفصل عنه، كما هي الحال عند ربط الحاويات على الشاحنات.


ماجد الخطيب: منذ عقود وشركات صناعة الطائرات تفكر بحل معقول لتسريع عمليتي ركوب وإخلاء المسافرين من الطائرة. تراوحت هذه المقترحات بين المقاعد المتحركة وتنظيم المقاعد بشكل أفقي وأماكن الوقوف بدلًا من الجلوس المتحرك...إلخ. لم تجد كل هذه المقترحات طريقها إلى الطائرات، لكن شركة "إيرباص" تقترح الآن عملية معقولة لتقليص زمن الطيران، إلا أنها تتطلب تغييرًا كاملًا في إنتاج الطائرات تقريبًا، وتغيير الكثير من الهياكل الارتكازية في المطارات.

تبدو الشركة جدية في مقترحها، لأن لديها براءة اختراع سلفًا. ويقال إنها تجري مباحثات مع العديد من شركات الطيران الكبرى، بهدف الترويج للمشروع. ويرى المشروع أن يجري إركاب المسافرين في مقصورة المسافرين، قبل موعد الإقلاع بفترة، ثم يتم نقل المقصورة وتركيبها على جسد الطائرة، قبل الإقلاع بقليل.

ومن المعروف أن تقليل زمن الإركاب والإخلاء بعشر دقائق يحسّن حركة الطيران بنسبة 8.1%، بحسب إحصائيات "بوينغ". ثم إنه يقلل زمن الطيران بنحو 20% كمعدل، ويخفض نفقات الخطوط الجوية، ويقلل بالتالي أسعار تذاكر الطيران. هذا ناهيكم عن الاقتصاد البيئي بالوقود وانبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون. وسبق لشركة بوينغ المنافسة أن تحدثت عن تضاعف زمن الإركاب والإخلاء منذ السبعينات، وعن تحول التأخر في الإقلاع والهبوط إلى قاعدة في معظم مطارات العالم الكبيرة.

وسبق لدراسة أن أجرتها جامعة نورث إيلينوي في العام 2008 أن تحدثت عن خسارة تتكبدها شركات الطيران تقدر بنحو 30 يورو عند كل تأخر للطائرة لمدة دقيقة واحدة على أرض المطار. وكان التأخر بسبب الإركاب والإنزال يؤلف الجزء المعظم من أسباب تأخر الطائرات في الإقلاع والهبوط.

لنقل البضائع أيضًا
وزعت الشركة رسمًا تخطيطيًا يوضح كيفية تركيب كابينة الركاب على جسد الطائرة. وهذا يعني أن المسافرين سيصعدون إلى مقاعدهم في مقصورة محمّلة على ظهر شاحنة، وتنطلق الشاحنة إلى الطائرة، لتتولى رافعة ضخمة نقلها على جسد الطائرة. وإذا كانت الطائرة ستعود إلى المكان، الذي انطلقت منه، فهذا يعني أنه يمكن ربط مركبة "المسافرين" على المركبة الأم بعد دقائق فقط من فصل مقصورة المسافرين الواصلين، وذلك على متن شاحنة أخرى إلى أجنحة المطار.

تعي شركة "إيرباص" تمامًا كلفة المشروع، الذي يشمل تغيير كامل بنية الطيران تقريبًا، إلا أن صلاحية المشروع لطائرات النقل تجعل هذه الكلفة، من وجهة نظرها، معقولة. إذ يمكن بالطريقة نفسها تركيب حاويات البضائع مباشرة على أجساد الطائرات، كي تنطلق مباشرة إلى العنوان المطلوب.

ويتصور مشروع "إيرباص" تحويل المكان المخصص في أسفل الطائرة لحقائب المسافرين إلى "حاوية" أخرى مصغرة، يمكن فصلها عن جسد الطائرة. وبهذا التصور تصبح الطائرة أشبه بمركبة فضائية مؤلفة من "موديول Module" عدة، يمكن أن تنفصل عن بعضها البعض بالتسلسل. ومن الطبيعي فإن مثل هذا الشكل سيعني تسريع عملية نقل الحقائب إلى المطار، ومن ثم إرسالها على السيّار الدوّار إلى المسافرين الذين هبطوا من الطائرة.

تسهيلات وتعقيدات
يعني تحويل مقصورة الركاب إلى مقصورة منفصلة، يتم نقلها مباشرة إلى المطار، يعني الاستغناء مستقبلًا، عند بناء المطارات، عن خراطيم التي توصل المسافرين من وإلى الطائرة. كما يعني أيضًا عدم الحاجة إلى شاحنات (عند عدم توافر الخراطيم) لنقل المسافرين من وإلى الطائرات. إضافة إلى ذلك يمكن لسلطات المطار أن تقتصد أيضًا بالناقلات الصغيرة التي تركب عليها السلالم، وصولًا إلى أبواب الطائرة....إلخ.

لكن المطارات ستحتاج بالتأكيد توسيع بوابات الخروج التي لن تتسع لمثل هذه الشاحنات الضخمة والمقصورات المركبة عليها. سيقع عليها أن تغيّر منصات إركاب المسافرين، بحيث تتسع للرافعات الضخمة المستخدمة، وإلى العديد من التغييرات البنيوية. وبحسب مشروع "إيرباص" يمكن بناء"جسور" داخل المطارات، ترفع أجساد شاحنات نقل مقصورات المسافرين إلى مستوى أجساد الطائرات، وهذه كلفة إضافية أخرى. ولأن ارتفاع الطائرات يختلف حسب كل شركة، وحسب سعتها، فلا بد من جسور مختلفة أو جسور متحركة لتحقيق هذه الفكرة.

على هذا الأساس، يمكن للمشروع أن يبدأ في المطارات العالمية الكبيرة، التي تؤمّل النفس مستقبلًا باستعادة كلفة هذه التغييرات، من خلال تسريع وزيادة حركة الطيران، إلا أن الأمر لا يبدو جذابًا بعيون المطارات الصغيرة. وقدر أحد المسؤولين في مطار هامبورغ حاجة مطار مدينته المتواضع إلى 50-60 مليون يورو من أجل بناء ستة جسور لنقل مقصورات الركاب المنفصلة وتحميلها على الطائرات حتى العام 2019.

مقعد متحرك و"طائرة سيجار"
وذكر متحدث باسم "إيرباص" أن مشاريع، مثل مشروع الطائرة المركبة المستقبلية، قد تحتاج وقتًا طويلًا كي تنفذ. وتنال "إيرباص" ومنافستها "بوينغ" سنويًا عشرات براءات الاختراع من السلطات الأميركية، إلا أن عددًا قليلًا منها يدخل حيز التنفيذ، وتبقى براءات الاختراع الأخرى بمثابة ابتكارات مستقبلية قد تتحقق أو لا.

مثال على ذلك أن المصمم الأميركي هانك سكوت، من مكتب مولون الأميركي، نال براءة اختراع عن مقعد متحرك للطائرات أسماه "سايد سلب سيت". وهو مقعد مخصص لجهة الممرات، ويمكن تحريكه، ليركب فوق المقعد الوسط، أثناء عملية الإركاب، كي يتيح مكانًا أكبر لحركة المسافرين. وذكر سكوت أن 23 شركة طيران عالمية مهتمة بابتكاره، إلا أنه لا يزال يكافح كي يرى ابتكاره في الطائرات.

واقترح الألماني أوغور بيك طائرة ذات بطن أوسع من الطرفين الأمامي والخلفي، أطلق عليها اسم "طائرة السيجار"، لأنها تشبه السيجار، وافترض أن تبدأ الممرات في البطن بالاتجاهين، مؤكدًا أن ذلك سيوسع ممرات لحركة المسافرين في اتجاهين مختلفين بحرية، وفي آن واحد.

&


&