ارتفعت أسعار النفط أثناء تعاملات أمس الخميس إلى مستويات فوق 80 دولارا للبرميل، للمرة الأولى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014، نتيجة للمخاوف أن صادرات الخام الإيرانية قد تهبط بواقع نصف الى مليون برميل يوميا كنتيجة مباشرة لاعادة فرض عقوبات أميركية، وهو ما سيقلص المعروض في الأسواق.

وصعدت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت 1.4 في المئة إلى 80.39 دولارا للبرميل.

وسجلت عقود خام القياس الأمريكي "غرب تكساس الوسيط" أيضا أعلى مستوى لها منذ نوفمبر 2014 عند 72.30 دولارا للبرميل، قبل أن تتراجع قليلا إلى 71.86 دولار بحلول الساعة 1545 بتوقيت غرينتش.

وترتفع أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة بفعل احتمالات حدوث تراجع حاد في صادرات النفط الإيرانية في الأشهر المقبلة جراء تجدد العقوبات الأمريكية إثر قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي العالمي مع طهران.

وقبل اقل من شهر اخترقت أسعار النفط حاجز ال75 دولارا للبرميل لأول مرة خلال 4 سنوات وتواصل الأسعار الارتفاع الى مستويات غير مسبوقة منذ 2014. ولكن ما هي العوامل التي تدفع الأسعار لمواصلة الصعود؟ العنصر الأساسي هو التوترات الجيوسياسية في منطقة حساسة مثل الشرق الأوسط. ثم تقلص المخزونات الاستراتيجية وقوة الطلب العالمي.

وهذا في نظر المراقبين سيخلق أزمة في الامدادات في السوق ولهذا كان رد فعل الأسواق هو ارتفاع سعر مزيج برنت القياسي الى 80 دولارا للبرميل. وحتى قبل اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلق بالغاء الاتفاق النووي وفرض العقوبات على إيران ارتفعت الأسعار بنسبة 40% منذ عام 2017.

والعنصر الآخر الهام في دعم الأسعار هو تلاشي فائض المخزونات في الدول الصناعية الذي وصل مستويات قياسية في الفترة 2014-2016 كنتيجة لقوة الطلب العالمي على النفط الخام وكذلك التزام "أوبك" وروسيا في تنفيذ اتفاق تخفيض الانتاج بواقع 1.8 مليون برميل يوميا منذ بداية 2017. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية اواخر ابريل الماضي ان تعلن اوبك وروسيا ان سياسة التخفيضات قد حققت اهدافها وان المهمة انتهت بنجاح. ومن الجدير بالذكر ان الطلب العالمي ارتفع بنسبة 5% في الثلاث سنوات الأخيرة ليصل الى 100 مليون برميل يوميا تقريبا.

لا شك ان موسكو والرياض ترحبان بالأسعار العالية. السعر فوق 80 دولار للبرميل سيساعد في رفع جاذبية الاستثمار في اسهم آرامكو عندما يتم طرح أسهمها للاكتتاب العام عام 2019 ولكن موسكو ترى ان ارتفاع الأسعار قد يقلل الطلب على النفط ويخلق ركودا اقتصاديا.

 المخاوف الجيوسيساسية

عندما ارتفعت الأسعار الى 80 دولارا الخميس 17 مايو الحالي عزت صحف المال والأعمال ذلك الى الاضطرابات في فنزويلا التي حرمت السوق من أكثر من نصف مليون برميل في اليوم والى حزمة العقوبات الجديدة التي ستفرضها الإدارة الأميركية على ايران والتي ستمنع ايران من تصدير نصف مليون الى مليون برميل يوميا. كما ان شركة توتال الفرنسية حسب مصادر الفايننشال تايمز هددت بالانسحاب من ايران علما انها كانت من الشركات القيادية في العودة الى ايران بعد انتهاء العقوبات عام 2015.

الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي والتهديدات العسكرية المتبادلة بين اسرائيل وايران والتدخل الأميركي ساهمت في خلق جو من التوتر مما يخلق حالة قلق وترقب في الأسواق وهذه الحالة عادة تنعكس على اسعار السلع الاستراتيجية الحساسة مثل النفط والذهب. هذا ناهيك عن التوترات في ليبيا واليمن والخطر على الامدادات التي تمر من باب المندب وهددت الميليشيات الحوثية في اليمن سابقا بضرب الملاحة البحرية الدولية والسيطرة على مضيق باب المندب. 

هذه الحالة الغير مستقرة زادت من اهتمام المضاربين وصناديق التحوط في الاستثمار في اسهم الشركات النفطية ووجدوا فرصة للربح في حالة صعود الأسعار لمستويات غير مسبوقة. 

ومما كبح جماح الصعود الفلكي للأسعارهو ارتفاع وتيرة الانتاج الأميركي الى 10.7 مليون برميل يوميا بفضل عودة الزيت الصخري للصدارة مما سيساعد في التعويض عن النقص في الامدادات.

الرئيس ترمب يلتزم الصمت ولم يغرد هذه المرة

ونذكر ان الرئيس الأميركي دونالد ترمب غضب عندما ارتفعت الأسعار الى 75 دولار للبرميل يوم الجمعة 20 ابريل وعبر عن غضبه بتغريدته الشهيرة التي هاجم فيها منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" واتهمها بالتلاعب بأسعار النفط.

حيث تفاعلت أسعار النفط آنذاك بشكل سريع مع تلك التغريدة وتراجعت أسعار النفط بعد دقائق من نشر التغريدة، وسجلت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت 73.26 دولارا للبرميل، بانخفاض قدره 52 سنتا عن الإغلاق السابق، وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 48 سنتا إلى 67.81 دولار للبرميل.

ونشر ترمب تغريدة قال فيها: "يبدو أن أوبك تعيد الكرّة من جديد. في ظل الكميات القياسية من النفط في كل مكان، بما في ذلك السفن المحملة عن آخرها في البحر، أسعار النفط مرتفعة جدا على نحو مصطنع وهذا ليس جيدا ولن يكون مقبولا".

هذه المرة وحتى بعد ان اجتاز السعر 80 دولارا التزم ترمب الصمت.