بلغراد: لم يواجه الرئيس الصربي الكسندر فوتشيتش تحديا بهذا الحجم من قبل. فكل سبت يتظاهر آلاف المعارضين في بلغراد "ضد الديكتاتورية"، يوحدهم كرههم لرجل البلاد القوي، بدون أن ترتسم معالم بديل سياسي حتى الآن.

وشهد أمس السبت آخر هذه التظاهرات التي بدأت في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، وذلك للأسبوع السادس على التوالي من التعبئة. لكن هذا التجمع لم ينطو على تصعيد للتحركات وكان أصغر حجما من الأسبوع الذي سبقه.

وقال صحافيون من وكالة فرانس برس إن المتظاهرين رفعوا لافتات كتب عليها "نحن مع الشعب ولسنا مع لصوص الأمس واليوم".

وجمعت تظاهرة أخرى آلاف الأشخاص في نيش (جنوب) ثاني مدن البلاد. كما جرت تظاهرة مساء السبت في كاغوييفاتس (جنوب) وعد المشاركون فيها بمواصلة الاحتجاج "حتى الانتصار على الديكتاتورية".

ويعتبر المعارضون الرئيس مستبدا ويطالبون بدولة قانون وبتعددية إعلامية وهي نقطة طالتها انتقادات من قبل الإتحاد الأوروبي الذي تريد صربيا الإنضمام إليه.

وبدأ الاحتجاج بعد اعتداء في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر على المسؤول اليساري بوركو ستيفانوفيتش.

وتتهم المعارضة قتلة مرتبطين بالسلطة بالوقوف وراء قتله. لكن الرئيس فوتشيتش الذي انتخب من الدورة الأولى في نيسان/ابريل 2017 بعدما كان رئيسا للوزراء ويهيمن حزبه التقدمي على البرلمان والمجالس المحلية، ينفي ذلك.

ولم يكن يتوقع أن يؤدي هذا الاعتداء إلى إشعال حياة سياسية يسودها "العنف الجسدي والكلامي"، كما قالت يلينا أناسونيتش التي تشارك في تنظيم التظاهرات.

وتروي هذه الطالبة في العلوم السياسية "لكن هذه المرة، بمتابعة ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، أدركنا أنه حان الوقت لنفعل شيئا في الشارع". وكانت قد شاركت مع أصدقائها في تحركات طلابية عنيفة ضد فوتشيتش في 2017.

وحققت أول تظاهرة نجاحا وقد جرت بدعوة من منظمات لمواطنين و"التحالف من أجل صربيا" الذي يضم عشرة أحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

وسار الآلاف بهدوء وراء لافتة كتب عليها "أوقفوا القمصان الملطخة بالدماء"، في إشارة إلى قميص يحمل آثار دماء لوح به بوركو ستيفانوفيتش بعد الاعتداء عليه.

- "كسر الحصار الإعلامي" -

إلى جانب التعبير عن غضبهم، يبدو المطلب العملي الوحيد للمحتجين رحيل مسؤولي شبكة التلفزيون العامة "ار تي اس". ويطالب الممثل الكوميدي براينسلاف تريفونوفيتش (40 عاما) الذي يتزعم التظاهرات "بالظهور على التلفزيون خمس دقائق على الأقل يوميا" من أجل "كسر الحصار الإعلامي".

واعترف رئيس بلدية بلغراد السابق دراغان ديلاس (وسط) في تصريح لوكالة فرانس برس بأن التجمع الأول "فاجأ كثيرين بمن فيهم بعض مسؤولي" المعارضة.

لكن هذه الاحتجاجات لا تقلق إطلاقا &فوتشيتش القومي المتشدد الذي تحول إلى ليبرالي محافظ مؤيد للأوروبيين. وقد قال إن "حتى خمسة ملايين" لن يهزوا موقعه.

وتلقى المتظاهرون دفعا لم يكونوا يتوقعونه بعد انتقاداتهم للوصاية المفروضة على وسائل الإعلام. فقد أوضحت صحافية لشبكة خاصة موالية للحكومة، وهي واقفة في مكان مقفر، أن التظاهرة "جمعت عددا قليلا من الناس" دعوا إلى "القتل والاغتصاب والعنف والانقلاب".

وساهم تسجيل الفيديو الذي انتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي في إبقاء التعبئة على الرغم من الأعياد والبرد والثلوج. وكتب بعضهم على تويتر "شكرا بربارا" اسم الصحافية.

لكن هذه التظاهرات لا تعني إطلاق يد المعارضة كما يتعمد الرئيس القول.

ورأى المتظاهر ميلوش يانيانين الخبير الاقتصادي البالغ من العمر 27 عاما أن المعارضة لا تقدم "بديلا قابلا للاستمرار" وإن كان فوتشيتش "لم يعد يحتمل".

وأضاف "عندما تفعل المعارضة شيئا ما" لمحاربة السلطة "ستحصل على حق التكلم. حاليا يمكنها التظاهر معنا والتزام الصمت".

والواقع أن مشاركة الأحزاب في التظاهرات تبقى خافتة، إلا أن يلينا أناسونوفيتش تحذر بأن "احتجاجات المواطنين وحدهم ليست كافية".

- لا أفضل ولا أسوأ -

أوضح دراغان دييلاس أنه "يعمل على خطة" لكنه لا يريد "كشفها لوسائل الإعلام قبل بدء تنفيذها".

أما المحافظ فوك يريميتس فيوضح أن المهم هو جمع "كتلة كبيرة" من المتظاهرين قبل المطالبة بحكومة انتقالية تكلف تنظيم انتخابات خلال السنة الجارية.

ورأى المحلل بوبان ستويانوفيتش "في وقت ما سيتحتم التعبير عن كل ذلك سياسيا".

ومن غير المعروف ما يمكن أن يتفاهم حوله السيادي اليميني المتطرف بوسكو أوبرادوفيتش والمحافظ يريميتش والوسطي ديلاس واليساري ستيفانوفيتش.

وبشأن القضية الكبرى المطروحة حاليا وهي رغبة فوتشيتش في إبرام اتفاق مع كوسوفو، لم يصدر أي اقتراح مشترك.

وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن الرئيس الصربي يمكن أن ينتهز فرصة زيارة نظيره الروسي فلاديمير بوتين الخميس ليرد بتظاهرة كبيرة لمؤديه. وقد ألمح أيضا إلى أنه يمكن أن يدعو إلى انتخابات تشريعية مبكرة يرجح أن يكون حزبه الأوفر حظا للفوز فيها.

وفي تسجيل فيديو شاهده أكثر من 250 ألف شخص، يلخص صربي شعور الكثيرين بقوله "ليس لدينا أحد أفضل (من فوتشيتش) ولن نجد أسوأ منه".