إيلاف من الرياض: وعياً بأهمية مسايرة اللغة للتطورات التقنية والفضاء اللغوي الافتراضي، وكون اللغة العربية حققت قفزة نوعية بإنجاز التطبيقات اللغوية في الحاسب الآلي، باللجوء إلى أساليب الذكاء الاصطناعي وهندسة المعرفة، تحتفي السعودية هذا العام بشعار: "اللغة العربية والذكاء الاصطناعي".

اللغة العربية أثبتت قدرتها على التفاعل والتأثير، الأمر الذي أسهم في تعاطي المنظمات الدولية معها بإيجابية، حيث جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1973 بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسة، ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا أصبح العالم أجمع يحتفي سنوياً باليوم العالمي للغة العربية.

وفي هذا السياق، ترى الرياض أنّ الاهتمام بالذكاء الاصطناعي له دور مهم في خدمة اللغة العربية من خلال تبسيطها لغير الناطقين بها، وتوظيف الذكاء الاصطناعي للتعمق في دراسة اللغة العربية، ونشر علومها وتطوير استخداماتها وتطبيقاتها، ومن هنا يأتي دور وجهود الأفراد والمؤسسات في إبراز ومواكبة هذا الحدث الدولي المهم؛ فالحاجة اليوم تتعاظم ليتشارك الجميع ويقوم كل&بدوره حتى تصبح اللغة العربية مصدر إثراء للمكتبة العالمية بكل ما تحمله من كنوز معرفية وحضارية شاملة.

وتبدو جهود الجامعات السعودية في خدمة اللغة العربية بارزة ومهمة، إذ باتت تعتمد على التقنية الحديثة المتطورة التي أصبحت أكثر فعالية وفي متناول الجميع، مستحدثين برامج نوعية تبنتها المؤسسات الأكاديمية في مجال خدمة اللغة العربية، إضافة إلى توسيع وتدعيم ونشر برامج وفعاليات ومؤتمرات تبحث في مختلف فنون ومجالات اللغة وآدابها.

وحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، يبرز الدور الفاعل لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، في كونه مقوما أساسيا وداعماً للغة العربية، وله منجزات مادية&تراكمية&في خدمة العربية تبقى على المدى مُنتَجًا حيًّا يمكنُ استثماره والاستفادة منه في تسجيل حضور دائم للعربية على المستوى المحلي والعربي والدولي.

برامج دولية ومحلية

وصرح الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية الدكتور محمود إسماعيل صالح في حديثه لــ"واس"، أن المركز عزز حضوره واحتفاءه باليوم العالمي للغة العربية عبر برامج دولية ومحلية، وبتوجيه من معالي المشرف العام على المركز وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ، كما وجه المركز دعوة عامة إلى جميع الملحقيات الثقافية في العالم وأقسام اللغة العربية في الجامعات لتفعيل الفعالية، وفتح مجال التعاون المشترك في الإعداد والتنفيذ وذلك بهدف توجيه الاهتمام إلى خدمة اللغة العربية والاهتمام بتعليمها وتجويد ممارسات التعلم والتعليم، وقد لمس المركز تفاعلا كبيرا من الملحقيات والجهات الأخرى، مما جعل المركز بالتزامن مع الفعالية أن يطلق مشروعه البحثي (اللغة العربية و الذكاء الاصطناعي) المكون من سبعة إصدارات، شارك في إعدادها 40 باحثاً.

فعاليات ومسابقات

كما أوضح الأمين العام أن المركز سعى إلى تفعيل الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية محليا مع الجامعات والجهات الحكومية والمؤسسات، من خلال إقامة العديد من الفعاليات عبر إقامة المحاضرات وورش الخط العربي وتوزيع مطويات وملصقات حول اللغة العربية في الجامعات والجهات الحكومية والخاصة، مضيفاً أنه ايماناً من المركز بدور وسائل التواصل الاجتماعية في خلق بيئة تواصل تتميز بسرعة التفاعل فقد أطلق المركز عبر صفحته على "تويتر" مسابقتي: #خدمة_العربية_للإلقاء و#خدمة_العربية_للمبادرات_الفردية، وقد حظيت المسابقتان بتفاعل دولي ومحلي من المشاركين والمشاركات، مؤملاً المركز من خلالهما تحقيق أهداف منها: لفت النظر إلى أهمية اللغة لدى النشء، ورفع انتمائهم نحو اللغة العربية والعناية بها والإقبال على فنونها وتعلمها.

لا خوف على "العربية"

من جانبه، أوضح رئيس قسم الأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور حسن بن أحمد النعمي في حديثه لــ"واس"، أننا حين نحن نحتفي باليوم العالمي للغة العربية تحت شعار "اللغة العربية والذكاء الاصطناعي"، ينبغي أن نؤكد أموراً منها أن اللغة العربية تتطور وتتنامى ولا خوف عليها فهي لغة ولاّدة، ونرى الآن ما يحدث من إخراج المئات من التوليدات العلمية الرصينة التي تقوم بها المجامع واللجان العلمية المختصة في كل أرجاء البلدان العربية، ولا سيما من الجذور المتصلة بالإشاريات والخوارزميات.

وقال "أدعو بهذه المناسبة إلى إيلاء الأهمية لمستقبل ربط العربية بمناهج تعلمية وتعليمية حديثة تراعي علاقة الدارسين بنُظم تلقيها وتحبيبها، وإن المتقابلات الثقافية بين المتخصصين في اللغة العربية والمجالات الحاسوبية وكذا التربويين لنقاش من هذا القبيل ضرورية وعاجلة، لأن العملية الثقافية تعبر عبر جسور من القيم لا فكاك منها، وهي التي تبدع الحضارات وترتقي بالعقول الناهضة.

وأشار النعمي في حديثه إلى أهمية إدماج التطبيقات اللغوية الحاسوبية في مناهجنا التعليمية، مع توجيه المتخصصين في المناهج إلى استلهام الطرق العلمية الدقيقة المبسطة لمعاني العربية، ولا سيما فيما يتصل بتوظيف منهاج التلقين واستعمال وسائل التواصل الحديثة التي تحفل بالتطبيقات السمعية والمرئية، وجعل البرامج الحاسوبية الاجتماعية جزءا من المنهج المدرسي.

وأكد أنه لابد من استشفاف مكامن الخطر الذي يداهم مدرستنا التربوية البعيدة عن الجديد من الاهتمامات العالمية، وإعادة تنظيم الصفوف للمرابطة في قلب التحولات التي تعرفها مكامن عولميات الثقافة، وتكاتف الجميع لمواصلة الاهتمام ببرامج العربية وتكريس حضورها في المجالات كافة، وليس الحاسوبية فقط، ودعا&في ختام حديثه أن تكون السنة كلها حفية باللغة العربية وليس يومًا واحدًا.

نشر اللغة

وأشارت وكيلة معهد اللغويات العربية في جامعة الملك سعود الدكتورة هاجر بنت عصفور، إلى أن المعهد يضم كوادر متميزة ساهمت بشكل كبير في نشر اللغة العربية على نطاق واسع وملحوظ بالتعاون مع مراكز متعددة داخلية وخارجية من أبرزها مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز لخدمة اللغة العربية عن طريق المؤلفات والتراجم الخاصة باللغة العربية وتعليمها وتنظيم وإقامة الندوات الثقافية والمؤتمرات المتخصصة في هذا المجال والدورات القصيرة والمكثفة وتدريب معلمي اللغة العربية داخل المملكة وخارجها للتعريف بالنظريات والأساليب والوسائل الحديثة في مجال تعليم اللغة الثانية.

وأوضحت& أن المهتمين والمهتمات بتعلم اللغة العربية يحظون بفرصة الحصول على منح للدراسة في المعهد في برنامج دبلوم اللغة العربية المكثف في قسم اللغة والثقافة، وأن القسم النسائي في المعهد منذ افتتاحه في عام 1431-1432هـ تشرف بتخريج ما لا يقل عن 60 خريجة انضم الكثير منهن لدراسة البكالوريوس في جامعة الملك سعود في تخصصات متعددة منها اللغة العربية والدراسات الإسلامية والقرآنية والتاريخ والترجمة.

وبينت الدكتورة هاجر بنت عصفور أن اهتمامات المعهد تتجاوز تعليم العربية كلغة ثانية لتشمل تقديم استشارات ومساهمات لغوية بحثية تتعلق بالثقافة والفكر والتكنولوجيا، لخدمة المصالح الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولتأصيل المشترك الثقافي والديني بين الشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية.

تنوّع ثقافي

وقالت: "كما لا نغفل عن دور جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في إنشاء معهد تعليم اللغة العربية للناطقات بغيرها، كونه يُعد المعهد النسائي الوحيد على مستوى العالم في مجال تعليم اللغة العربية، والذي يُعد واجهة حضارية للمملكة العربية السعودية، حيث تُشكل فيه الطالبات تنوعاً ثقافياً هائلاً كونه يضم جنسيات متعددة تتوزع ما بين دول آسيا وأفريقيا وأوروبا بالضافة إلى أميركا الشمالية، مما جعل المعهد محفلاً يزخر بالكثير من الثقافات وتتوحد فيه اللغة تحت سقف واحد، برؤية واضحة تنص على الريادة العالمية في تعلم وتعليم اللغة العربية لغير الناطقات بها، وتأصيلا لرسالته التي يسعى لتحقيقها من خلال تقديم برامج أكاديمية وتدريبية وبحثية رائدة لغير الناطقات باللغة العربية, وإقامة شراكات محلية وعالمية في ضوء معايير وأسس علمية مدروسة".