لندن: نزل آلاف البريطانيين الى الشوارع السبت احتجاجا على أزمة كلفة المعيشة واحرقوا أحيانا فواتيرهم فيما تمضي الحكومة بصعوبة بسياسة الموازنة التي اعتمدتها بعد اسبوع من الفوضى في أسواق المال.
التضخم في أعلى مستوياته والجنيه الاسترليني في أدنى مستوياته والقلق يزداد مع اقتراب الشتاء، وقد وعدت الحكومة الجديدة المحافظة برئاسة ليز تراس باتخاذ إجراءات فورية لمواجهة الأزمة لكن الإعلان الأسبوع الماضي عن تخفيضات كبرى للضرائب تستهدف الأغنى، أثارت مزيدا من الغضب.
"ادعموا الاضرابات" و"جمدوا الأسعار، وليس الناس"، او حتى "ضرائب على الأثرياء" شعارات كتبت على اللافتات التي رفعها المتظاهرون في لندن الذين نزلوا بدعوة من منظمات عدة نحو وستمنستر في وسط العاصمة.
تقول ليلي هولدر المتظاهرة البالغة 29 عاما في لندن إن الناس "سئموا" مضيفة "لم يعودوا مستعدين لقبول الطريقة المخزية التي يعاملهم بها المحافظون". وتابعت أن الشتاء الذي من المتوقع أن يكون قاسيا على العديد من الأسر التي تواجه صعوبات لدفع فواتيرها "سيظهر القسوة الحقيقية لحكومتنا".
تلقت غالبية البريطانيين بفتور "الموازنة المصغرة" التي قدمتها الحكومة الأسبوع الماضي. أدى اعلانها الى اضطرابات في الأسواق المالية وهبوط الجنيه الاسترليني الى أدنى مستوى تاريخي ما استدعى تدخل البنك المركزي بشكل طارىء لتهدئة أسواق المال فيما طلب صندوق النقد الدولي من بريطانيا إعادة النظر فيها.
كشفت الحكومة في 23 أيلول/سبتمبر سلسلة إجراءات للموازنة تجمع بين مساعدات كبرى في فواتير الطاقة وخفض ضرائب يستهدف الطبقات غير الميسورة، لكن كلفتها الهائلة أحدثت اضطرابا في الأسواق المالية.
وحاول وزير المال الدفاع عن الخطة وقال كما ورد في صحيفة تلغراف مساء الجمعة "بالطبع هو تدخل مكلف، لكن ما الخيار الذي كان لدينا؟ تصوروا التكلفة على الاقتصاد البريطاني لبطالة جماعية وانهيار الاستهلاك وشركات تعلن إغلاقها".
وأضاف أن "عدم القيام بشيء لم يكن خيارا. ثمن عدم التحرك كان ليصبح أعلى من كلفة هذه الخطة".
ووعد الوزير البريطاني بخطة لخفض الدين على المدى المتوسط لكن وكالة التصنيف الإئتماني ستاندرد آند بورز خفضت الجمعة توقعاتها للديون السيادية البريطانية من "مستقر" إلى "سلبي" بالنسبة لاحتمال الاحتفاظ بتصنيف "AA".
في الانتظار، بات الآن غضب البريطانيين يضاف الى عدم فهم الأسواق الخطة. بحسب استطلاع أجراه معهد يوغوف في الآونة الأخيرة فان أكثر من نصف الذين استطلعت آراؤهم (51%) يعتبرون أن رئيسة الوزراء ليز تراس التي تتولى منصبها منذ أقل من شهر، يجب أن تستقيل.
بسبب التضخم الذي يلامس 10% والقلق من معرفة ما اذا كانوا سيؤمنون التدفئة او تسديد قروضهم هذا الشتاء، يرفض البعض دفع فواتيرهم لشهر تشرين الاول/اكتوبر. وأعلنت الحكومة تجميد سقف أسعار الطاقة لكن هذه الاسعار تضاعفت خلال سنة.
وردد المتظاهرون أمام محطة كينغز كروس في لندن السبت "لا يمكنني الدفع، لن أدفع" وأحرقوا أوراقا تشبه فواتير الطاقة.
في هذا الإطار من النقمة الاجتماعية المتزايدة، استؤنفت التعبئة التي تكثفت منذ حزيران/يونيو في كل القطاعات بعد هدنة فرضتها وفاة الملكة اليزابيث الثانية في 8 أيلول/سبتمبر.
أضرب عمال السكك الحديد السبت- وهو أكبر اضراب منذ مطلع السنة، في كل أنحاء البلاد مع تأمين 11% من حركة المرور.
رغم الاضطرابات القوية، فإن تعبئة السكك الحديد يفهمها ويدعمها معظم البريطانيين بحسب استطلاع أجراه "إيبسوس". ففي شوارع لندن كما في مدن أخرى في بريطانيا، رفع المتظاهرون لافتات تدعو الى دعم الإضرابات.
وقام ناشطون من أجل المناخ من مجموعة "Just Stop Oil" بإغلاق عدة جسور في لندن داعين حكومة المحافظين إلى "حل أزمة كلفة المعيشة وأزمة المناخ من خلال وقف الاستثمارات الجديدة في النفط والغاز" بحسب بيان صادر عن المنظمة.
يجتمع المحافظون الذين تراجعت شعبيتهم أكثر من أي وقت مضى، اعتبارا من الأحد في برمنغهام لعقد مؤتمرهم السنوي. ونظرا لهذا الوضع فان المؤتمر قد تطغى عليه اجواء قاتمة.
وبحسب الصحافة البريطانية فإن رسائل تتحدى سياسة تراس بدأت تظهر. فقد عبر بعض المحافظين عن ذهولهم من إعلانات الموازنة الغامضة التي قدمتها فيما عبر آخرون عن ندمهم لرحيل رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون رغم أكاذيبه.
وقد أقرت رئيسة الوزراء ليز تراس التي تتراجع شعبيتها، بحصول "اضطرابات" لكنها استبعدت التراجع. وقالت الجمعة "سيكون شتاء صعبا لكنني مصممة على القيام بكل ما يلزم لمساعدة العائلات والاقتصاد".
التعليقات