إيلاف من لندن: وسط إجراءات أمنية مشددة وقطع شوارع انطلقت وسط بغداد الأربعاء تظاهرة احتجاج واسعة ضد ارتفاع الأسعار وانهيار الدينار العراقي أمام الدولار متهمة سياسيين فاسدين وإيران بهذه الأزمة.
وشارك في التظاهرة مئات المواطنين القادمين من محافظات خارج العاصمة احتجاجاً على انهيار قيمة العملة المحلية الدينار أمام الدولار الأميركي ما أدى الى ارتفاع الأسعار بشكل كبير وخاصة منها المواد الغذائية حيث منعتهم القوات الأمنية من الاقتراب من مبنى البنك المركزي العراقي القريب الذي كانوا يخططون للتجمع أمامه.
ورفع المتظاهرون شعارات تقول "السياسيون هم المغطون للفساد المصرفي وشركات التحويل".. متهمين إيران بالضلوع في هذا الفساد. ودعوا الحكومة ورئيسها محمد شياع السوداني الى اتخاذ إجراءات ناجعة لمعالجة ازمة الدينار وخفض الاسعار متهمين القوى السياسية وقادتها بالضلوع في فساد البنوك وتهريب الدولار الى إيران .
وأشرفت على تظاهر الاحتجاج لجنة تنفيذية دعت المشاركين الى توحيد الهتافات للعراق وللمطالب حصراً والابتعاد عن أي هتاف طائفي أو محرض أو فئوي وأن الشعارات المرفوعة هي للمطالب المحددة فقط "والعلم العراقي هو رايتنا الوحيدة التي سنرفعها".
وطالبت اللجنة بعدم استفزاز المحال التجارية "فهم أهلنا و قلوبهم معنا ومن أكثر المتضررين من الوضع الحالي".. وشددت على التعاون التام مع القوات الأمنية "فنحن طلاب قانون وسلام والقوات الأمنية هم اخوتنا".

مسؤولية الحكومة
من جانبها انتقدت حركة "امتداد" المنبثقة عن احتجاجات تشرين عام 2019 ولها أكثر من 10 مقاعد نيابية إجراءات الحكومة في مواجهة الأزمة الاقتصادية والحد من ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية.
وقالت الحركة في بيان إن "الشعب لا يمكن أن يستمر في دفع ثمن فشل الأحزاب الحاكمة في إدارة البلد، مع الاستمرار في الاستهانة بمصالحه والإخلال بواجب الحكومة الدستوري في حماية أمنه الاقتصادي والغذائي وعدم وجود أي رؤية اقتصادية حقيقية وأي جدية في انتشال البلد من الأزمة الاقتصادية التي تعصف به، والمتمثلة في انخفاض قيمة عملته الوطنية مقابل الدولار، بل العكس".
واعتبرت الحركة أن الإجراءات الحكومية لمعالجة الأزمة مازالت هامشية وتنم عن استهتار واستهانة بمصالح الشعب متجاهلة معالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الأزمة ابتداءً من عدم السيطرة على المنافذ الحدودية مروراً بإطلاق سراح أرباب الفساد وانتهاءً بتهريب العملة إلى الدول المجاورة من قِبل أحزاب الفساد وواجهاتهم التجارية في السوق العراقية.
ومن جانبه قال الناشط عبد القادر النيل ان التظاهرة جاءت ضد حكومة السوداني للمطالبة بإيقاف "تخريب الاقتصاد العراقي وتهريب عملتة إلى إيران ولصالح الأحزاب الفاسدة التي أدت إلى ارتفاع جنوني للمواد الغذائية مما أثر سلبا على لقمة العيش للعراقيين".
وكان السوداني قد أعفى الاثنين الماضي محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف من منصبه وكلف علي محسن العلاق بإدارة البنك وكالة حيث انه سبق وان تولى منصب محافظ البنك المركزي العراقي بالوكالة ورئيس مجلس الإدارة بين عامي 2014 و2020 كما شغل منصب الأمين العام لمجلس الوزراء بين عامي 2006 و2014 وهو مقرب من رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
كما أحال السوداني مدير المصرف العراقي للتجارة سالم جواد الجلبي على التقاعد وكلّف بلال الحمداني لإدارة المصرف العراقي للتجارة إضافة إلى مهامه.

قيمة العملة المحلية
ويشهد سعر صرف الدينار العراقي منذ حوالى شهرين تقلبات مقابل الدولار يعزوه خبراء إلى بدء العراق الامتثال لاجراءات دولية اميركية على التحويلات المالية بالعملة الصعبة التي تُهرب معظمها الى إيران.
وفيما سعر الصرف الرسمي المثبّت هو 1460 ديناراً مقابل الدولار الواحد منذ قررت ذلك حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في كانون الأول/ ديسمبر عام 2020 فقد تراجع سعر الدينار في السوق منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 إلى 1650 دينار ما أدى الى فقدان العملة العراقية الدينار حوالى 10% من قيمتها.
وأثار هذا التراجع غضب العراقيين لما نتج عنه من ارتفاع في أسعار المواد المستوردة وخاصة العذائية منها وفقدان حوالي 5 ملايين موظف عراقي بين 20 و30 بالمئة من قيمة مرتباتهم الشهرية.


محتجون عراقيون أمام مقر البنك المركزي العراقي وسط بغداد في 4 يناير 2023 ضد ازمة انهيار العملة المحلية وارتفاع الأسعار (تويتر)

قيود أميركية
وفيما يقول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر صالح إن "السبب الجوهري والأساسي لهذا التراجع في قيمة العملة المحلية هو قيد خارجي" فقد اتهم سياسيون عراقيون ينتمون الى القوى السياسية الشيعية الموالية لإيران الولايات المتحدة بالوقوف خلف هذا التقلب لابعاد التهمة عن دورهم في تهريب الدولار الى طهران.
ويرتبط تقلّب الدينار ببدء امتثال العراق لبعض معايير نظام التحويلات الدولي (سويفت) الذي بات ينبغي على المصارف العراقية تطبيقه منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر للوصول إلى احتياطات العراق من الدولار الموجودة في الولايات المتحدة.
وليتمكّن العراق من الوصول إلى تلك الاحتياطات التي تبلغ 100 مليار دولار عليه حالياً التماشي كما يقول تقرير دولي لوكالة الصحافة الفرنسية مع نظم "تتطلب الالتزام بأحكام مكافحة غسيل الأموال العالمية، وأحكام مكافحة تمويل الإرهاب، وتلك المرتبطة بالعقوبات كتلك المطبّقة على إيران وروسيا.
ويوضح مظهر صالح أنه ينبغي على المصارف العراقية حالياً تسجيل "تحويلاتها بالدولار على منصة إلكترونية، تدقق الطلبات...ويقوم الاحتياطي الفدرالي بفحصها وإذا كانت لديه شكوك يقوم بتوقيف التحويل".
وقد رفض الاحتياطي الفدرالي منذ بدء تنفيذ القيود 80% من طلبات التحويلات المالية للمصارف العراقية بحسب صالح على خلفية شكوك متعلقة بالوجهة النهائية لتلك المبالغ الذي يجري تحويلها الى ايران.

أحزاب تحول الدولار الى إيران
وتقول تقارير محلية إن أكثر من 200 مشتري صغير للعملة الصعبة (الدولار) يعتقد انهم مرتبطون بأحزاب يقومون يومياً بجمع الدولارات ونقلها الى خارج الحدود.
وتوفر هذه العملية بسبب اختلاف السعر الرسمي لتصريف الدولار عن سعره في السوق السوداء أكثر من 800 مليون دينار (حوالى 600 الف دولار) يومياً للمهربين.

وهؤلاء المشترين الصغار هم واجهات لمشترين كبار وقد يكونون أحزاباً أو فصائل ذات نفوذ بسبب قدرتهم على عبور الحدود يومياً مرتين على الأقل حيث أن عملية الشراء اليومي للدولار تتراوح بين 2.5 مليون دولار الى 5 مليون دولار.