إيلاف من بغداد: بكل تأكيد وبالأرقام، جاء افتتاح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مصفاة كربلاء الاستراتيجية خطوة كبيرة سبقتها خطوات وستتبعها أخرى نحو ارتقاء العراق إلى مكانة تليق بثروته الطبيعية التي يتمتع بها في مجال النفط والغاز، وتنهي الخجل الناجم عن استيراد العراق مشتقاته البترولية حتى اليوم.

وقال السوداني: "هذا المشروع سيعزز استقلال العراق في مجال الطاقة بالاعتماد على ما لدينا من ثروات. والمصفاة خطوة مهمة لخلق فرص عمل غير مباشرة وغير منظورة، إذ لا تقتصر أهميتها على توفير المشتقات والأموال التي كانت تذهب للاستيراد فحسب، بل ستضيف قيمة في مشاريع غير منظورة".

اللافت في كلمة السوداني خلال افتتاح المصفاة انه شكر الحكومات السابقة مساهمتها في ان يرى هذا المشروع الضوء، ما يعني انه لا ينسب كل الفضل لنفسه ولا يحاول تشويه صورة من سبقه، والأهم انه بذلك يخاطب مواطنيه بأن جهوده لن تقف عند هذا الحد، وسيستمر في العمل حتى ينسب شيئا اكبر حجما وتاثيرا لنفسه خالصا ويصنع ارثه وسيرته بمزيد من المشاريع التي يتعطش العراقيون لرؤيتها تتحقق.

فمنذ تولي السوداني مسؤولياته في أكتوبر الماضي، يسعى جاهدا لانجاز العديد من المشاريع المتلكئة في مجال الطاقة. وجاء افتتاح مشروع مصفاة كربلاء المتأخر منذ 2014 ليدل على ان العراق ماض في خطة الإصلاح الاقتصادي من دون ابطاء.

فليس معقولًا ان يمتلك العراق رابع اكبر مخزون احتياطي للنفط في العالم وهو أيضا ثاني اكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك، ثم يدفع مليارات الدولارات سنويا لاستيراد المشتقات النفطية بدلا من انفاق هذه الأموال الطائلة على مشروعات أخرى، ملحة مثل التعليم والصحة والإسكان.

استغلال أمثل لموارد الدولة

ياتي الإسراع في افتتاح هذه المصفاه من منطلق الحرص على الاستغلال الأمثل لموارد الدولة، وتوجيه الثروات نحو خدمة المواطن العراقي الذي طال انتظاره لأن يرى بلاده تحتل المكانة الاقتصادية والمعيشية التي تليق بتاريخها. فمن شأن مصفاة كربلاء ان تنتج 9 ملايين لتر من الوقود في اليوم، أي أكثر من نصف كمية 15 مليون لتر يوميًا يستوردها العراق.

ومن فرط الاهتمام بخروج العراق من دائرة الاستيراد غير المبررة، يقف السوداني بنفسه ليرعى مراسم توقيع واطلاق مشاريع النفط والغاز الجديدة التي لم تر النور سنوات للكثير من الأسباب، منها لعبة التوازنات التي ضاق العراقيون بها ذرعا، والفساد المستشري الذي لا مجال لاستمراره في ظل حكومة السوداني التي حددت مكافحة الفساد أحد أولوياتها.

فمصفاة كربلاء التي تصل طاقتها الإنتاجية الى 140 الف برميل يوميا هو مشروع ظل معطلا منذ نحو 10 سنوات. وبحساب بسيط، اذا ما تم انجاز هذا المشروع منذ 8سنوات مثلا فسيكون العراق قد انتج منها بحلول اليوم على اقل تقدير 3مليارات برميل نفط. واذا ما افترضنا ان ثمن البرميل في متوسط هذه السنوات 50 دولارا لكل برميل، فسنعرف ان تعطل هذا المشروع كبد العراق خسارة تقترب من 150 مليار دولار.

جولة تراخيص خامسة

يأتي افتتاح مشروع مصفاة كربلاء العملاق بعد التوقيع على ستة عقود لتطوير حقول النفط والغاز الحدودية مع شركات صينية وإماراتية، وهذه الحقول ستضيف حينما ينتهي العمل فيها 250 الف برميل يوميا، فضلا عن مليون قدم مكعب من الغاز.

ومن شأن هذه المشاريع أن تحقق الاكتفاء من الغاز الذي يستورده العراق حاليا لسد احتياجاته وتشغيل محطات الكهرباء، وأيضا ستنقذ العراقيين من مخاطر حرق الغاز المصاحب وهو هدف يضعه السوداني نصب عينيه منذ تشكيل حكومته التي يمكن تسميتها حين انجاز هذه المشاريع بالحكومة الخضراء، خصوصا مع اعلان السوداني في مؤتمر بغداد للمناخ عن زراعة 5 ملايين شجرة لمحاربة التصحر.

يهدف استثمار الحكومة في مجال الطاقة، وفقا للسوداني، إلى ان يكون العراق بلدا مؤثرا وفاعلا في سوق النفط والغاز والبتروكيماويات، وهذا هدف يسعى رئيس الوزراء العراقي إلى تحقيقه بسواعد عراقية خالصة تمكنهم من الريادة في هذا المجال وتساعد على نقل الخبرات من جيل الى جيل دون الحاجة الى خبراء أجانب.

كما يأتي افتتاح مصفاة كربلاء في وقت تسعى فيه الحكومة العراقية إلى انجاز المفاوضات مع مسؤولي إقليم كردستان العراق لاستئناف تصدير النفط عبر الإقليم في اعقاب حكم هيئة التحكيم الدولية التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشان عقود تصدير الخام. وهي مفاوضات تسعى حكومة السوداني من خلالها الى اعداد تصور شامل لقانون النفط والغاز لانهاء النزاع المستمر بين الطرفين منذ 2014.

تم الانتهاء من تنفيذ مشاريع الطاقة الكبرى هذه، أو تم التوقيع عليها والبدء فيها خلال ستة اشهر من تولي السوداني مسؤوليته رئيسًا للوزراء، ما يدل على نية الرجل الصادقة في تسخير موارد الدولة والاستغلال الأمثل لثروات العراق الطبيعية والسير به بعيدا عن الخلافات الدولية والإقليمية نحو بلد ينعم مواطنوه بالرخاء والعيش الكريم.