"أخت رجال، حسن صبي، دلّوع، فوفو، زي البنات، طنط، لازمه شد براغي..."، كانت هذه بعض الكلمات التي فاجأتني خلال تصفحي الأوليّ للمعجم العربي الكويري، وهناك مفردات كثيرة أخرى لا يمكن كتابتها هنا.
الصدمة الأكبر قد تكون في إدراك أن هذه الكلمات وغيرها من كلمات مشابهة تستخدم في السياق اليومي في معظم أنحاء العالم العربي لوصف أفراد مجتمع الميم- عين، كلمات قلّما يمكن إعادة كتابتها في مقال، أو ترديدها على التلفاز أو الإذاعة.
أخذ المؤلف ومصمم الغرافيك، مروان قعبور، على عاتقه توثيق تلك العبارات في كتاب جديد بعنوان "المعجم العربي الكويري"، يحتوي على مفردات كثيرة أخرى، جمع فيها "330 كلمة عنّا ولنا"، كما يصفها، لإنجاز تدوين أول معجم عربي يوثق الكلمات المستخدمة في عدد من اللهجات العربية عن مجتمع الميم- عين.
ويقول إنه من خلال هذا العمل يحاول "رسم خريطة لغوية لكيفية حديث أفراد هذا المجتمع عن أنفسهم، وكيف يتحدث الآخرون عنهم، سواء بالسلب أو الإيجاب".

و"مجتمع الميم-عين" هو المصطلح العربي الذي يشير إلى المثليات والمثليين، ومزدوجي الميل الجنسي، والعابرين/ات جنسياً وجندرياً، وحاملي صفات الجنسين، ويقابله بالإنكليزية (LGBTQIA+). كما تستخدم كلمة مشابهة هي "كوير" وأصلها إنكليزي "Queer".

ماذا لو وضعنا اللغة المستخدمة لوصف أفراد مجتمع الميم- عين في سياقها الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي خرجت منه ونشأت فيه؟
صدر "المعجم العربي الكويري" في 6 حزيران (يونيو)، بالتزامن مع شهر الفخر، عن دار الساقي للنشر في العاصمة البريطانية لندن. ووقّع المؤلف كتابه في قاعة ريتش ميكس شرقيّ لندن، بحضور نحو مئتي شخص.
ويُقسم الكتاب لستة أجزاء بحسب اللهجات العربية "لهجات بلاد الشام والعراق وبلاد الخليج ومصر والسودان وبلاد المنطقة المغاربية".
كما يشارك في الكتاب ويعلق على هذه التجربة ثمانية كتّاب يشاركون بثماني مقالات، إلى جانب رسومات تعبيرية للفنان الفلسطيني هيثم حداد.

في الكتاب مقال لصوفي شمص، الباحثة في دراسات الجندر والمحاضرة في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، بعنوان "تربية مبنية على الأقاويل".
تكتب فيه أنّ معظم ما نتعلمه عن مجتمع الميم- عين مبني على ما نسمعه من الأصدقاء والأقارب والمجتمع، فـ "هذا معروف" هي الكلمة التي توصف من خلالها معرفتنا اليومية وما يعتبره المجتمع "الفطرة السليمة"، لكن ماذا إذا قبلنا حقيقة أن ما هو معروف عن مجتمع الميم- عين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "ما هو إلا نتيجة شائعات وأقاويل، هل يمكن أن يساعد ذلك بتغيير السردية حول تاريخ وحاضر ومستقبل أفراد هذا المجتمع في المنطقة؟".

كيف بدأت الفكرة؟

مجموعة من الكتب في حفل التوقيع
ASMA HAMDI
يحاول مروان قعبور مؤلف "المعجم العربي الكويري" وضع المفردات المستخدمة لوصف أفراد مجتمع الميم- عين في سياقها الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي خرجت منه ونشأت فيه

سألتُ مروان عن فكرة هذا المشروع، من أين بدأت قصة جمع هذه الكلمات في كتاب واحد، أخبرني أنّه دائماً ما كان مهتماً برواية القصص، والتجميع والأرشفة، لكنّ البداية كانت من تأسيسه لمنصة "تكوير" عبر انستغرام عام 2019 "كمشروع لاستكشاف المواضيع التي تعنيني كشاب ينتمي لمجتمع الميم- عين" كما يقول.
ومن خلال "تكوير" حاول مروان "خلق أرشيف لمجتمع الميم- عين في التاريخ العربي" بالغوص في أرشيفات السينما والتلفزيون والسياسة والثقافة: "أحاول أن أجد أشخاصاً أو أحداثاً تخص مجتمع الميم- عين، أجمعها ثم أنشرها.. مع الوقت، شكلت تجربة أرشيف تاريخي".
تحظى صفحة "تكوير" على إنستغرام بنحو 22 ألف متابع، إلاّ أنّ تفاعلهم -خاصة العرب منهم- مع مروان منذ بداية المشروع لفت نظره إلى اللغة والمصطلحات المستخدمة في البلدان المختلفة، ويقول إنهم في بعض الأحيان يستخدمون مصطلحات لا يفهمها.
"من هنا أحببت الغوص بالموضوع بشكل جدي لاستكشاف البيئة اللغوية لأفراد مجتمع الميم- عين في منطقتنا.. ظننت أنني قد أجمع 60 كلمة، مع الوقت وجدت أننا وصلنا إلى أكثر من 300!"

"تربيت على الدفاع عن آرائي الخاصة"

جانب من الحضور في الأمسية
ASMA HAMDI
المشاركون في فعالية توقيع الكتاب، ويظهر على الشاشة المؤلف الموسيقي حامد سنو

يتحدّث مروان لبي بي سي عربي عن مراحل المشروع الذي استمر لأربع سنوات، وكيف تحول الحديث مع المتابعين من مواقع التواصل الاجتماعي إلى لقاءات فردية مع أشخاص من كل أنحاء العالم العربي.
استكشف معهم المصطلحات المستخدمة عن أفراد مجتمع الميم- عين، منهم وعنهم، ثم حلّل السياق التاريخي والثقافي لتلك الكلمات.
المتتبع لكلمات المعجم، يجد أنّ بعضها معرّب من لغات أخرى، كما أنّ لبعضها الآخر بعداً ثقافياً مرتبطاً بالبلدان التي ظهرت فيها، حتّى أن بعض الكلمات تصف أفراد المجتمع باستحياء، من دون الإشارة إليهم بشكل مباشر مثل عبارة "فلان، لا مؤاخذة" في المصرية، أو "ألوان" في لهجات أخرى، عدا عن السياق الديني والسياسي لكلمات أخرى ترتبط بمعتقدات دينية أو أحداث سياسية.
سألته عمّا إذا كانت هذه التجربة مخيفة بالنسبة له أم لا؛ تجربة الاعتراف بشكل علنيّ بانتمائه لمجتمع الميم- عين، وطرح أول كتاب يجمع مفردات اللغة العربية – التي تعتبر في كثير من الأحيان مسيئة وغير مقبولة – سواء من المجتمعات العربية بشكل عام، أو من مجتمع الميم- عين بشكل خاص.
فأوضح أنّ تركه لعمله عام 2020 وفرّ له "الحرية للحديث عن تجربته الشخصية (...) كما أنني حصلت على الجنسية البريطانية قبل أربع سنوات، الأمر الذي جعلني أشعر بالأمان".
ويقول: "احتجت إلى الكثير من الوقت كي أشعر أني مرتاح لأحكي عن هويتي الجنسية كرجل مثليّ"، أجابني مروان، قائلاً إنه محظوظ بانتمائه لعائلة "ليست تقليدية، ولا محافظة، ولا متدينة"، وبأنه تربّى على "سياسات يسارية تقدمية، وأنّ العلاقات تُبنى على الاحترام، وكل الاختلافات الأخرى مجرد تفاصيل".
ويضيف "كما أنني تربيت على الدفاع عن آرائي الخاصة".

أثناء حفل توقيع كتابه، اختار مروان قعبور أن يكون أول ما يتحدّث به أمام الحاضرين هو موقفه من الحرب في غزة؛ فقال: "ما الهدف من تحرر المثليين؟ ما الهدف من النسوية؟ ما الهدف من نظرية إنهاء الاستعمار عندما نعيش في عالم تكون فيه إنسانية الفلسطيني موضع استجواب؟ لا أحد ولا شيء يقتل المثليين الفلسطينيين أكثر من القنابل الصهيونية".

"مشكلتهم وليست مشكلتي"
سألت مروان عن ردود الفعل على كتابه، فقال إن عدم تقبل الآخرين لعمله، أو المواضيع التي يتحدث عنها "مشكلتهم، مش مشكلتي".
يقول إنه يتقبّل كل الانتقادات البناءة، أما "الانتقادات التي تحمل كراهية في جذورها، ما عندي اهتمام رد عليها أو فكر فيها".
"ردود الفعل بمعظمها كانت إيجابية" يقول مروان، "أعتقد أن الناس كانت متعطشة لمشاريع تتحدث عن تجارب مجتمع الميم- عين المعقدة في العالم العربي، سواء بالسلب أو الإيجاب... هذا الكتاب هو صفحة أمل لنقول إن هناك مساحة لنخبر قصصنا وليكون لنا وجود في التاريخ العربي مثلنا مثل غيرنا".
يضيف مروان بأنه لا يريد أن يجبر الناس بالاقتناع بموضوع "ما فايت براسها.. مش شغلي"، لكنه يأمل أنّ من قد يقرأ كتابه - من خارج مجتمع الميم- عين يمكن أن يفهم أن لا حاجة للخوف من الآخر؛ فالأمر ليس أكثر من اختلاف؛ "اختلاف بالحياة، لا أكثر ولا أقل"، وأن يكون لديهم الفضول للتعلم عن الآخرين من خلال كتابه.

"ماذا لو قبلنا اختلافنا، ودعونا الآخرين إليه؟"
تسأل صوفي شمص في مقالها في الكتاب "ماذا لو قبلنا اختلافنا، ودعونا الآخرين إليه، بدل محاولاتنا تطبيع أنفسنا"؟ وتضيف أنّ كتاباً كهذا، "سيسمح لأفراد مجتمع الميم- عين العرب، بأن يرفضوا الخيار التلقائي الذي يفرض عليهم، بين أن يكونوا من أفراد مجتمع الميم- عين، أو أن يكونوا عرباً، وليس الاثنين، كأن الأمرين لا يجوز أن يجتمعا معاً".
وتضيف شمص، أنّ هذه التجربة تذكير بأن الأرشيف لا يجب أن يكون دوماً "مرخصاً" أو "مبنياً على الأدلة" بل يمكن ببساطة أن يكون محسوساً، واضحاً، وأنّ اللغة والناس يمكن أن يشكلوا معاً "وطناً" عندما لا يكون المكان ملائماً ومشجعاً.
يعرض الكتاب وجهات نظر عدد من الكتّاب حول علاقة مجتمع الميم- عين العربي مع اللغة، وكيف اصطُلح على وصفهم من خلالها، إلى جانب تحدياتهم في بلدانهم والمهجر، ويسلط الضوء على قضايا مختلفة.
"هل أنت قومي عروبي، أم 'مجرد رجل تنام مع الرجال؟'" هو عنوان إحدى مقالات الكتاب للباحث والكاتب الفلسطيني، آدم حاج يحيى، يشرح فيه فكرة تاريخ القوانين التي تجرم مجتمع الميم- عين في العالم العربي، ويشير إلى ارتباط سنّها بفترة الحكم الاستعماري بهدف "تجريم كل المعارضين".
الروائي عبدالله الطايع شارك أيضاً في مقال آخر شرح من خلاله تجربته مع مجتمعه المغربي كطفل وشاب ينتمي لمجتمع الميم- عين مؤكداً أنه "سعيد رغم كل ما حدث له، ومتصالح مع نفسه".
أما الباحث صقر المري فيتحدث في مقاله عن تجربته خلال رحلة حصوله على الدكتوراه في الترجمة، ويقول بأنه فكر كثيراً بكيف يمكن للمصطلحات التي "فرّقت وعزلت أفراد الميم- عين عن مجتمعاتهم الأصلية، أن تصبح طريقة للتضامن بينهم أنفسهم".
كتابٌ آخرون شاركوا بالحديث عن تجاربهم من زوايا مختلفة في مقالات أخرى، منهم الباحث نسرين شاعر، والأكاديمي زياد الدلال، والكاتبة رنا عيسى، والمؤلف الموسيقي حامد سنو، والأستاذة والشاعرة مجدولين الشوملي.