تجاوزت الاحداث الاخيرة التي شهدتها "غزة" حدود "الازمة" التي من الممكن مواجهتها والخروج منها بقليل او كثير من الصبر و"ضبط النفس" و"العقلانية" وما الى ذلك.. واخشى انها باتت تنذر بـ"انهيار" حقيقي، يتجلى اليوم، بفقدان كافة الاطراف والقيادات التقليدية، القدرة على السيطرة، وضبط الامور، مع انفلات مذهل بلا اي ضوابط ولا حدود.
هذا التطور الخطير، يأتي في غير وقته، وفي ظرف معقد، يحتاج الاشقاء الفلسطينيون فيه الى التماسك الداخلي، وابداء الحد الاعلى من القدرة على التفاهم والابتعاد عن لغة التصعيد وحوار الرشاشات والقذائف، خصوصا وان الصراع على السلطة، يأتي في الوقت الذي تبدو فيه "السلطة" كلها مهددة، وبما يعني ان اي حديث عن "الصلاحيات" المفترضة، هو خارج عن السياق، وبعيد عن فهم حقيقة الظرف وطبيعة الاستهدافات وخطورتها.
واذا كان الرهان الاسرائيلي، قد قام، في وقت سابق، على فرضية اندلاع حرب اهلية داخل الاراضي الفلسطينية، بعد غياب السيد ياسر عرفات، فإن ما يحدث اليوم، يشير الى كون الصراع القائم حالياً، قد سبق كافة التوقعات والاحلام الاسرائيلية، بحيث بات السيد عرفات نفسه طرفا في هذا الصراع، ومن موقع المناضل للحفاظ على ما تبقى لديه من "صلاحيات" او نفوذ داخل الصف الفلسطيني.
ما يحدث الان خطير.. وخطير جداً. ولو كان عرفات يفقد نفوذه وسلطته لصالح مؤسسة حكم قائمة ومنجزة، لكانت الامور تسير في اتجاهها الصحيح والمطلوب، ولكنه للاسف، بات يفقد صلاحياته ونفوذه، ولكن لحساب التمزق والتشتت ومراكز القوة الداخلية، التي ليس في داخلها من يطرح بديلاً مؤسسياً، قادرا على ادارة الامور بدلاً عن عرفات او بعد غيابه!
انهيار السلطة الفلسطينية، - اذا حدث لا قدر الله - على هذا النحو الكارثي كان بمثابة الحلم بالنسبة للاسرائيليين، ليس لأن السلطة شكلت خطرا ما على اسرائيل، خلال العقد الماضي، ولكن، لانها، وبهذا الانهيار الذاتي، تثبت للعيان وللرأي العام في العالم كله، ان الفلسطينيين عاجزون عن ادارة اراضيهم بأنفسهم، وهم كذلك عاجزون، برغم كل الامكانيات، عن اقامة دولة المؤسسات، وبالتالي، فإن خيار "الدولة الفلسطينية" المستقلة. وذات السيادة، سيكون هو اول ضحايا هذه الصراعات، وسيبدأ البحث، مجدداً، في السيناريوهات المطروحة سابقاً، لادارة الاراضي الفلسطينية، بما يعني ان ضحايا الصراع القائم سيكونون اكثر.. وسيدفع الجميع داخل الاراضي الفلسطينية وخارجها ثمن ما يحدث اليوم من انفلات واحتراب داخلي!
الرأي الأردنية