من الزاوية النظرية يبدو ان من حق الحكومة العراقية التي يضاف اليها عادة مصطلح "ذات السيادة" ان تطالب برحيل قوات الاحتلال. واذا كان المحتلون يدركون ان من نصبوه لن يطالبهم بالرحيل، فان ذلك لا يحول دون التوقف عند الجدلية التي تطرح في سياق تبرير بقاء تلك قوات الاحتلال ممثلة في وجود الارهاب والعنف الذي لا يمكن للحكومة مواجهته الا بمساعدة تلك القوات.
قبل ذلك يبدو من الضروري مواجهة القائلين بهذه النظرية بجملة حقائق موضوعية على الارض لا زالت تقول ان الاحتلال ليس موجودا لاغراض حراسة امن العراقيين، او حتى حفظ أمن الحكومة ومحتجزيها من القيادة السابقة، بل يتجاوز ذلك كله الى التحكم بمختلف تفاصيل الحالة الداخلية سياسيا واقتصاديا وامنيا، وهو ما يجعل حجة الامن مجرد ذريعة لبقاء قوات تتحكم في كل شيء وليس في الامن فقط.
مع ذلك دعونا نتساءل: هل حقا ان رحيل الاحتلال يعني سيادة الفوضى والحرب الاهلية كما يقولون، وان ما يحول دون ذلك هو وجود قواته، ام ان وجود تلك القوات هو الذي يسمح باستمرار العنف بمختلف اشكاله، أكان العنف الاجرامي الذي يستغل وجود المقاومة ضد الاحتلال، ام العنف السياسي الموجه الذي يتحرك ايضا ضمن عقلية الاستغلال المشار اليها، ام المقاومة المشروعة التي تضرب في المكان والزمان الصحيح، ام تلك التي تخلط الصالح بالطالح باستهدافها للشرطة وعناصر الحكومة والاحزاب والقوى المتعاونة معها؟
ان القراءة المنطقية غير المنحازة لا بد ان تقول ان وجود قوات الاحتلال هو السبب في ذلك كله، اذ ان خروجها سيفقد المقاومة مبررها وسيكون بامكان المراجع الكبيرة في العراق مثل السيد السيستاني وهيئة علماء المسلمين وتيار الصدر اضافة الى القوى السياسية المهمة الاخرى ان تتوافق على صيغة لامساك الوضع في البلاد ريثما يجري تعداد سكاني وانتخابات حرة يأخذ كل فيها ما يمنحه اياه الشارع العراقي بعيدا عن القناعات المسبقة والارقام الجاهزة.
هي اذن مرحلة انتقالية يمسك فيها عدد من الاشخاص المشهود لهم بالنزاهة والنظافة بالوضع ريثما تجري الانتخابات وتتشكل الحكومة الممثلة لكل العراقيين. وفي هذا الحال يصعب القول ان العنف سيستمر لانه سيغدو معزولا من قبل جميع الاطراف في الساحة العراقية. وعندما يعزل ستكون مهمته في الاستمرار بالغة الصعوبة كما تقول التجارب المعروفة على هذا الصعيد.
نتحدث بالطبع عن الخروج الحقيقي لقوات الاحتلال وللأذناب التابعين لها والمخلصين لبرنامجها الذي احتلت العراق لتطبيقه. وليس الخروج الشكلي الذي لا يختلف عن مقولة عودة السيادة الى العراقيين في ظل الحكومة الجديدة.
على ان ذلك كله لا يمكن ان يدفع الحكومة القائمة الى مطالبة قوات الاحتلال بالرحيل عن الارض العراقية لسبب بسيط هو ان كثيرين قد رهنوا وجودهم بالاحتلال الذي جاءوا على ظهر دباباته وسبق لهم ان عملوا معه سنين طوالا بدعوى محاربة الدكتاتورية.
خلاصة القول هي ان الاحتلال هو الجريمة الكبرى بحق العراقيين، وعندما يرحل عن الارض العراقية غير مأسوف عليه فسيكون بامكان العراقيين ان يتدبروا امرهم وسينتهي العنف بكل اشكاله، لانه ما من عنف يمكن ان ينمو ويستمر في بيئة تكرهه وتطارده.
*الدستور الأردنية