مع انعقاد مؤتمر الحزب الديموقراطي تحتدم المقارنات، خصوصاً ان "تظهير شخصية" جون كيري مهمة ملحة للمؤتمرين، وبعدما تبدّى أن الآمال المعقودة على "شخصية" جون ادواردز لا يحتملها الواقع.

المفارق في أمر "الشخصية" ان أية مقارنة بسيطة بين جون كيري (أو أي كان) وجورج بوش يُفترض أن تخدم الأول. والشيء نفسه يقال في أية مقارنة بين جون ادواردز (أو أي كان) وديك تشيني. وهذا لا ينمّ، بالضرورة، عن أي إعجاب بكيري وادواردز، بل يصدر عن قلة الاعجاب ببوش وتشيني، وهي قلة اعجاب مصدرها في "الشخصية" نفسها قبل أن تكون في السياسة.
لكن الأمور لا تسير هكذا. وذلك يحتّم، حتى في نطاق التناول "الشخصي"، العودة الى "البرامج" السياسية، أو حطام البرامج السياسية إذا صح التعبير.

ففي العراق، يرى بوش ان الحرب كانت صائبة لأن صدام كان يعرف كيف يصنع أسلحة الدمار الشامل، وكان في وسعه، لو صنعها، أن يخبر الارهابيين بأسرارها(!). أما كيري فيفّضل قوة من "الناتو" ذات قيادة أميركية في العراق تتولى مسؤولية أمنه، وهو لا يكتم اتهام الادارة الجمهورية بتضخيم موضوع أسلحة الدمار. وعن الحرب على الارهاب، يفاخر بوش بأنه أنشأ وزارة الأمن الداخلي وضاعف الانفاق على الأمن ثلاثة أضعاف كما أصدر "القانون الوطني" في 2001، الذي يجيز التجسس على السكان واعتقال المشتبه بارهابيتهم. ويعلن كيري، في المقابل، انه سيصلح أجهزة الأمن الداخلي، مطالباً بتعديل "القانون الوطني" لصالح منح المزيد من الحقوق للمعتقلين، كما ستحظى أفغانستان، على يده، بمزيد من العناية. وفي الدفاع، يزهو بوش بأن موازنته قياساً بالاقتصاد الوطني لم تبلغ، منذ الحرب الكورية، ما بلغته الآن. وهو ينوي المضي في الانفاق بحيث تجهز الدفعة الأولى من نظام الدفاع الصاروخي أواخر هذا العام. ويقول كيري، بدوره، انه سيزيد عدد الجنود ويحسّن الأجور والمعاشات ويستثمر في تجهيزات جديدة، من دون أية وعود في ما خص زيادة الموازنة العسكرية. اما بالنسبة الى الشرق الأوسط، ولا سيما بعد مقابلة "هآرتز" الأخيرة مع المرشح الديموقراطي، فتبدو المزايدة في رعاية إسرائيل وتبنّي مواقفها الأكثر شراسة وعدوانية السمة العامة.

*ما الذي يوضحه هذا الاستعراض السريع؟
أولاً، ان ما يملكه جورج بوش من برنامج هو كناية عن رصيد ادارته، وهو رصيد جعلته التجربة العراقية أكثر فأكثر اعتماداً لى التكهّن الافتراضي (العراق كان يمكنه أن يصنع... كان يمكنه أن يعطي الارهابيين...).

ثانياً، ان جون كيري يغازل المدرسة التقليدية في السياسة الخارجية الاميركية (العمل مع الحلفاء...) فيما يخاطب القطاع غير المتزمّت قومياً وايديولوجياً في الولايات المتحدة.

ثالثاً، ان "اليسار" الديموقراطي الذي غدا مع كلينتون أقل يسارية، يغدو مع كيري أقل فأقل. فهناك حالة حرب ضد الارهاب تستدعي لجم الانتقادات للسياسات اليمينية "كي لا يستفيد العدو" و"لا تتلطّخ صورة أميركا مجتمعةً"، وهناك، أيضاً، المرحلة البوشية التي لا يمكن تجاهلها ومحو بصماتها الا بالقدر الذي استطاع فيه بيل كلينتون تجاهل المرحلة الريغانية ومحو بصماتها.

رابعاً، حصل انزياح أميركي اجمالي نحو اسرائيل لأسباب كثيرة (أقلها أهمية الصوت اليهودي). لكن هذا لا يعني ان كل كلمة تفوّه بها كيري ينبغي أن تُحمل على محمل الجد. فكلام الانتخابات لا يبقى منه الكثير أصلاً، وما يبقى منه سيخضع لتأثير البنود الأخرى في برنامج كيري، لا سيما العمل في "الحلفاء".

خامساً، ان التعويل الديموقراطي على أفغانستان ووعود الاهتمام بها تشي بميل الى الفصل بين الحرب على الارهاب وحرب العراق. وهذه هي الرسالة المداورة التي يوجهها كيري للبيئة المعادية لحرب العراق، وهو لا يستطيع أن يوجهها إلا مداورةً في ظل التعبئة القومية المستفحلة.
هذه العوامل ربما ساهمت في جلاء "شخصية" الرجلين، إلا أنها لن تكون كافية من دون النظر في المسائل الداخلية والاجتماعية.
*الحياة اللندنية