من القبائل العربية التي استوطنت العراق مبكرا هي تميم، وشمر، وعنزة، الاولى جاءت سنة 1150هـ قبيل منتصف القرن الثامن عشر الميلادي. نزحت قبيلة تميم والقبائل البدوية الاخرى طالبة المراعي الحسنة والمياه الوفيرة واستوطنت العراق جنوبا.
وفي بداية القرن التاسع عشر جاءت قبيلة شمر فسكنت منطقةالجزيرة الى الشمال من «عقرقوف».. اما تميم فقد سكنت الجنوب ثم تقدمت الى شمال بغداد، وكانت شمر وعنزة قبل ذلك في بادية الشام عبر نهر الفرات وتنازعت القبيلتان طويلا في منطقة الجزيرة حتى انتصرت شمر ونزحت عنزة عبر الفرات الى بادية الشام.
وصار الفرات فاصلا بين القبيلتين، وبقيت عنزة محافظة على الكثير من قيمها البدوية، ولم تغير من وضعها في الرعي متنقلة غير مستقرة وكانت الحكومات العراقية، تدفع لها الاتاوة في سبيل المحافظة على القوافل والسيارات المارة بمنطقة نفوذها.
اما قبيلة شمر فاستقرت منذ العهد العثماني في عهد مدحت باشا، وقبلت ان تمتهن الزراعة، وكان شيخها فرحان قد ذهب الى اسطنبول ودرس فيها فرجع ووضعت الحكومة تحت يديه قطاعا واسعا من الارضي للزراعتها.
المرجع: «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» للدكتور علي الوردي استاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد «سابقا».
توقفت شمر عن مزاولة الغزو ونهب القوافل والاعتداء على التجمعات السكانية الاخرى - وعند تأسيس الدول العراقية وفي العهد الانجليزي امتلك رؤساؤها ارضاً وطوروا الزراعة فيها فاكتفت البلاد بالقمح والشعير والارز وتركت هذه القبيلة طباع البدو في احتقارهم للزراعة والاعتقاد انها تلحق عيبا ومنقصة للرجال. مالت شمر الى حياة الاستقرار ونشأ فيهم جيل دخل المدارس وتعلم ابناء بعض رؤساء العشيرة في تركيا واوروبا.
وتحضرت من بعد تميم ايضا وامتهنت الزراعة وساد فيها الثراء والغنى فتطورت منازلها وكثرت املاكها.
يقول الدكتور علي الوردي:
ان القبائل البدوية في الصحراء تحتقر الحضارة بشتى مظاهرها، وقد جاء في امثالهم «البدوي اذا تحضر فسد».
وعرف من خلال كتب التاريخ ان الملك عبدالعزيز بن سعود عندما خضعت له معظم مناطق الجزيرة العربية وفتح الاقاليم التي كانت تحت النفوذ التركي والقبائل المعادية له شكر جنوده البدو وامرهم ان يعودوا الى البادية لكي لا تفسدهم حضارة المدن وتلهيهم عن دينهم، وكان حذرا معهم يلاينهم وقت الحاجة اليهم، وكان البدو يلتحقون به عندما يرونه قويا منتصرا وينفضون من حوله حين تبدو عليه بعض امارات الضعف والهزيمة، وهكذا كان الشيخ مبارك الصباح اذا توفرت له الاموال استقطب اهل البادية، وكانوا يحاربون بأجر وحصص من الغنائم.
وكان يجند قبائل المنتفق ايضا وهم من البدو النازحين الى جنوب العراق، وكانوا يحاربون مع الملك عبدالعزيز والشيخ مبارك بأجور يتفق عليها.
هكذا بقيت العراق بوابة واسعة تستقطب البدو القادمين من الصحراء ..في شمال الجزيرة عاشت بعض القبائل البدوية النازحة منذ عهود قريبة، وكلما كانت هجراتهم حديثة كان تمسكهم بالقيم البدوية اكثر».
والقبائل البدوية المتحضرة التي امتهنت الزراعة تمسكت بزراعة ما هو يليق بالرجال حسب اعتقادها كالرز والشعير والقمح اما زراعة النخيل والخضار فيرونها لا تليق بهم.
اهتم كثير من الباحثين الاجانب بدراسة القبائل البدوية في شبه الجزيرة العربية والصحراء الشامية والعراقية ومواطن استقرارهم في الجنوب والوسط العراقي وخاصة المستشرقين الانجليز حتى انهم جعلوا لهم شرائح وقوانين حسب اعراقهم ثم استفاد منها حكام العراق في العهود اللاحقة ولم يخضعوهم الى القوانين المدنية.
ولا ينال الرئاسة في النطاق البدوي الا اذا كان شجاعا كريما ويكون وهابا نهابا واجتمعت في عجيل الياور هاتان الصفتان الشجاعة في الاقدام للغزو والنهب، والكرم فيما يكسبه من الغزو.. ولا يبخل على احد من افراد شمر.
وعجيل الياور هو جد الرئيس العراقي الحالي غازي الياور وسوف اتحدث عنه باسهاب في موضوع قادم.
وشعار البدوي في حياته المعيشية «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب». انه لا يفهم التوفير والادخار وقد يعرضه ذلك الى النهب والسلب عند تحركه وهو يحمل امواله النقدية.. وان اراد ان يدخر اموالا ففي امتلاكه للاغنام والخيول والجمال التي تنتقل معه حيث ارتحل.
ويحتقر البدوي كل الاحتقار المهن اليدوية كالحائك والحداد والصانع والمبيض والحلاق ويعد صاحب المهنة بالجبان المتقاعس الذي يهاب الحرب والغزو، ويحتقر البدو الرحل حديثي الاستيطان الحضاري اصحاب المهن الفكرية كالكاتب والمنجم، والمغني والعازف والطبيب، ورغم حاجة القبائل الى التمور فانهم يحتقرون زراع النخيل ويوجهون له صفة التحقير والشتم بقوله «انخيلاوي».
هذا بعض ما اشار الىه كتاب العراق والاجانب عن الاندماج السكاني من نزوح القبائل الى العراق واختلاطهم بالسكان الاصليين وكما ذكرنا ان تاريخ النزوح القبلي هو بداية القرن الثامن عشر ثم خلال القر ن التاسع عشر وبداية العشرين ..
ومنهم من استوطن بالارض وارتبط بالزراعة فتحضر ومنهم من استمر في حياة البداوة والتنقل حيث يرى البدوي حريته وانطلاقه دون قيد وارتباط ..