في الذكرى الأربعين لاغتيال المهدي بن بركة
الثائر الغائب المزعج لأكثر من جهة في المغرب


الرباط - عبدالصمد بن شريف:

شكل حادث اختطاف واغتيال المناضل اليساري المغربي المهدي بن بركة، في 29 أكتوبرـ تشرين الأول 1965 في العاصمة الفرنسية باريس، أقصى درجات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، خصوصا أن عملية اغتيال المهدي تمت في سياق سياسي تميز باحتدام الصراع بين القصر و”الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، الذي كان يعتبره ابن بركة أحد أبرز قيادييه، ومنذ ذلك التاريخ، أخذ ملف ابن بركة أبعادا متداخلة ومعقدة، بسبب وجود أياد مختلفة، كانت ضالعة في تخطيط وتنفيذ عملية الاغتيال، بدءا من المخابرات والأجهزة الأمنية المغربية، والمخابرات الفرنسية، وصولا إلى احتمال تورط “الموساد”، والاستخبارات الأمريكية. ولقد نسجت عدة روايات، ورسمت عدة سيناريوهات بخصوص الجهة التي تقف وراء اغتيال المهدي بن بركة، فهناك من تحدث عن أن ابن بركة اختطف في فرنسا، وجيء به في طائرة خاصة، إلى “دار المقري”، أحد مراكز التعذيب بالرباط آنذاك، حيث تم تذويبه في صهريج مملوء بمادة “الأسيد”، غير أن أحد أقطاب الأمن الذين كانوا في هذا المركز، فندوا هذه الأطروحة على اعتبار أنه لم يكن هناك صهريج من هذا القبيل، كما أنه يمكن أن يموت ابن بركة في الجزائر أو في مصر على يد الأمريكيين أو “الإسرائيليين”، كما يروي ذلك عميل المخابرات المغربي السابق، أحمد البخاري، غير أن رواياته اعتبرت باطلة من قبل القضاء الفرنسي، لافتقادها للقرائن، والأدلة المادية.

ويتفق العديد من المهتمين بقضية المهدي بن بركة على أن الشهادات الفرنسية المقدمة في هذا الشأن تجمع على أن مدبر العملية هو عميد الشرطة المغربي، ميلود التونسي، الذي انتحل صفة من سمي ب “الشتوكي”، ما يفيد أن الدولة المغربية تعتبر المسؤول الأول عن اغتيال المهدي بن بركة، وهذا ما دفع “الاتحاد الاشتراكي لقوات الشعبية”، ومنابره الإعلامية إلى التأكيد على أن الدولة التي تعلن مصالحتها مع مواطنيها يجب أن لا يخيفها المسكوت عنه في لحظات بنائها، والدولة التي تضع نفسها في موكب الحقوق البشرية والقيم الإنسانية، لا يمكنها أن تجعل من الحقيقة ضحية لسنوات أخرى إضافية، والمغرب الجديد لا يجب أن يقبل بقتل الشهداء مرتين، والدولة ليست بعيدة عن جثة المهدي بن بركة، لهذا فهي ليست بعيدة عن حقيقة اغتياله، وهي إلى ذلك، شاهد كبير.

ويلاحظ أنه من بين المؤشرات الإيجابية في تعاطي الدولة المغربية على أعلى المستويات مع ملف المهدي بن بركة، هو الخطوات التي اتخذها الملك محمد السادس بعيد وصوله إلى الحكم، والمتمثلة في السماح بعودة عائلة المهدي بن بركة، وإعلانه الإرادة الصريحة في الإعلان عن الحقيقة، ومصالحة المغاربة مع تاريخهم، من خلال تنصيب هيئة الإنصاف والمصالحة، وبالفعل استجابت الدولة المغربية إلى العديد من الإنابات القضائية، الموجهة من قبل العدالة الفرنسية، وكان آخرها الإعلان المفاجئ عن تنصيب القاضي جمال سرحان لتنفيذ الإنابة القضائية في الملف، وهناك من فسر هذا القرار بأنه استباق للتساؤلات التي من المرجح أن تثار حول مسألة استثناء الكشف عن حقيقة القيادي الاتحادي السابق من التقرير النهائي، الذي من المرتقب أن ترفعه هيئة الإنصاف والمصالحة إلى الملك محمد السادس، والذي سيكون عبارة عن حصيلة لمجمل العمل الذي قامت به منذ تأسيسها.

إلى ذلك، يرى البشير بن بركة أن هناك مسارين متوازيين في قضية أبيه، مسارا قضائيا يهم دعوى مرفوعة أمام القضاء الفرنسي من ،1965 وهذا المسار لا يزال مستمرا، ويهم الانتدابات القضائية الدولية الموجهة إلى المغرب من قبل القضاء الفرنسي، وهناك مسار يرتبط بما يمكن أن تقوم به هيئة الإنصاف والمصالحة للقيام بتحريات حول الملف، في إطار الصلاحيات الممنوحة لها، والنتائج التي يمكن أن تتوصل إليها الهيئة، يمكن أن تسلم للقضاء، لاستغلالها في الملف بشكل أعمق ومتقدم. ويضيف البشير أنه اطلع على مضمون الوثائق التي رفعت عنها فرنسا السرية، وأشار إلى أن هذه الوثائق تحتوي على عناصر سمحت لقاضي التحقيق ببعض التقدم في تحرياته، لكن ليس بالشكل الذي كانت تنتظره العائلة، أي أنها ليست وثائق تسمح بإحراز تقدم كبير، كما أن مضمون تلك الوثائق لا يبرر طابع السرية الذي كان مفروضا عليها لعدة عقود، وهذه فضيحة تضاف إلى فضية الاغتيال والاختطاف.

أما عبدالحميد أمين، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فيعتبر أن السلطات المغربية تحاول أن تظهر من خلال تكليف قاض جديد بالملف أنها مهتمة بالموضوع، في حين أنها تأخرت كثيرا في تناوله ومعالجته منذ سنوات، علما أن الملك محمد السادس سبق أن صرح لجريدة “لوفيغارو” الفرنسية، وأكد على أنه سيقوم بكل ما يجب للكشف عن الحقيقة بشأن ملف المهدي بن بركة، مضيفا أن هذا الملف ليس مشكلا دوليا فقط، والجميع يعرف أن السلطات المغربية قامت بالدور الأساسي في اختطاف المهدي بن بركة، ولا يجب أن تتذرع بما يقوم به القضاء الفرنسي من أجل تمكين هيئة الإنصاف والمصالحة من التملص من مسؤولياتها في الكشف عن الحقيقة.