بيروت: ثائر عباس:

اظهر استطلاع للرأي اجرته مؤسسة «الدولية للمعلومات» ان اللبنانيين الذين يعتبرون ان انتماءهم لطوائفهم يأتي اولاً هم اكثر عدداً من الذين ينتمون اولاً الى وطنهم لبنان. وكان الشيعة ثاني اقل الطوائف، بعد الارمن الارثوذكس، في اعتبار لبنان خيارهم الاول. اذ بلغت نسبتهم 18.8 في المائة من اصل نحو 600 شخص شملهم الاستطلاع في بيروت وضواحيها.
وقد فسر استاذ علم الاجتماع الدكتور طلال عتريسي هذا التحول في الموقف الشيعي بان «الحالة الطائفية العامة في البلاد لم تستثن الشيعة هذه المرة». وقال لـ «الشرق الاوسط» ان هذا الاستطلاع يعبّر عن واقع الحال، معتبراً «ان التأثيرات التي حصلت بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري اثرت في صورة كبيرة في نتائج هذا الاستطلاع بالنسبة للشيعة» مبرراً ذلك بـ «الحالة المذهبية التي حصلت والتي شعر معها الشيعة انهم مستفردون، بالاضافة الى القرار الدولي الرقم 1559 الذي اشعر الشيعة بان سلاح المقاومة (حزب الله) هو المستهدف، ويضاف الى ذلك الاجواء الاقليمية الضاغطة عليهم».

ورأى عتريسي ان هذه الاحداث المتسارعة خلقت شعوراً قوياً عند غالبية الشيعة بالانتماء الى طائفتهم، متوقعاً انه «لو أُجري هذا الاستطلاع مباشرة بعد تحرير الجنوب في العام 2000 فان الارقام كانت ستأتي بطريقة مغايرة بالتأكيد». وقال عتريسي: «ان انتماء الشيعة الى لبنان ترسخ منذ مجيء الامام موسى الصدر الى لبنان في الستينات، اذ اعاد الشيعة الى الوطن والى الاحتجاج من داخله» مشيراً الى موقف القيادات الشيعية القائل باعتبار لبنان «وطناً نهائياً لجميع ابنائه وان الشيعة ليس لهم اي مشروع خارج اوطانهم». واعطى مثالاً على ذلك حالة (حزب الله) الذي بدأ كمقاومة ضد الاحتلال مطلع الثمانينات، ثم ما لبث ان انخرط في الحياة السياسية اللبنانية، حتى بات يرفع شعارات كان يرفعها اليمين اللبناني (المسيحي) في مرحلة امساكه بزمام الدولة.

وقد جاء في استطلاع الرأي ان 34 في المائة من الذين شملهم يعتبرون ان انتماءهم الاول هو الى وطنهم لبنان، مقابل 37.3% ينتمون اولاً الى طائفتهم، فيما يتساوى الانتماء للبنان وللطائفة لدى 22.3% من المستَطلعين.

اما التوزيع الطائفي للذين اجابوا بان انتماءهم الاول هو للبنان فجاء كالآتي: الروم الكاثوليك (54.5 في المائة)، الروم الارثوذكس (51.1 في المائة)، الموارنة (49.3 في المائة)، الدروز (31.3 في المائة)، السنة (31 في المائة)، الشيعة (18.8 في المائة)، ارمن اورثوذكس (13.6 في المائة).

فيما اتى التوزيع الطائفي للذين اجابوا بانتمائهم الاول هو لطائفتهم كالآتي: الدروز (62.9 في المائة)، السنة (50.6 في المائة)، الشيعة (43 في المائة)، ارثوذكس (25.5 في المائة)، ارمن ارثوذكس (22.7 في المائة)، موارنة (19.4 في المائة)، كاثوليك (15.2في المائة).

ولدى السؤال عن احتمال تغير الانتماء في حال حصول تضارب بين المصلحة الوطنية والمصلحة الطائفية، افاد 62.8 في المائة من المستَطلعين الذين سبق وقالوا بانتمائهم الى لبنان اولاً انهم لا يغيرون انتماءهم في حال حصول تضارب بين المصلحة الوطنية والمصلحة الطائفية. بينما افاد 33.8 في المائة بتغيير موقفهم. وافاد 82.6 في المائة من المستَطلعين الذين سبق وقالوا بانتمائهم الى طائفتهم اولاً انهم لا يغيرون انتماءهم في حال حصول تضارب بين المصلحة الوطنية والمصلحة الطائفية. بينما افاد 16.1 في المائة انهم يغيرون انتماءهم.

وخلصت «الدولية للمعلومات» في تحليلها لنتائج الاستطلاع الى انه «للوهلة الاولى تبدو النتائج مخيبة للكثيرين من اللبنانيين، ذلك ان الاستطلاع يثبت توافر ادلة قوية على وجود ازمة انتماء عميقة لدى الشعب اللبناني». لكنها دعت الى «عدم اسقاط فكرة ان هذه الازمة تعكس عقوداً من الزعامة الوطنية الضعيفة او الطائفية، والوضع السياسي غير المستقر، والاهتراء، والفساد، والسيطرة الاجنبية. كما انها تعكس الحالة المزرية للاجهزة الرسمية، من قضائية وتعليمية ورعائية واجتماعية، وكذلك الدور الرئيسي ـ وغالباً ما تموله خزينة الدولة ـ الذي تقوم به المؤسسات الدينية في مجالات التعليم والرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية وتدخلها في الامور السياسية والقضائية».