هذه هي غاية كل جماعات العنف والارهاب العالمي، فلكي تتنامى قدراتهم بشكل ينسجم ومستوى الطموحات الاستراتيجية لا بد من وجود قاعدة آمنة رئيسية تؤمن لهم ملاذا ومقرات ومعسكرات ومدارس للتدريب العملي والاعداد الفكري وضمان تدفق واستقطاب الدعم اللوجستي. وهذا لا يمكن تحقيقه الا في العراق الذي توافرت فيه عناصر التنامي المستمر، بحسب تقديراتهم على الأقل.
في سبتمبر 2003 نشرت «القبس» تحليلا تضمن اشارات واضحة عن جماعات العنف والقاعدة وركز على بدء تدفق عناصر تلك الجماعات الى العراق. وبعد سنتين، أصبح العراق أكبر قاعدة للارهاب العالمي، ولولا التصميم المقابل لأصبحت مقدمة اهداف القاعدة في متناول اليد، لكن الزخم المقابل مستمر ومتصاعد، وأصبح العراق نقطة افراغ للقوة من قبل كل الأطراف.
تناقض عقائدي
هناك تناقض أيديولوجي بين جماعات العنف عموما وتنظيم القاعدة تحديدا وأكبر شرائح المجتمع العراقي (الشيعة). وتجسدت حالة التناقض في اعلان الزرقاوي الحرب الشاملة عليهم، واستهدافهم لغايتين: الاولى لترسيخ حالة العداء والتناقض العقائدي، والثانية دفع البلاد الى أتون حرب اهلية طائفية، تمكنه من التحرك بحرية لضمان التطور في تحقيق الاهداف البعيدة الأمد. وبما ان الوضع على هذه الشاكلة، فإن جنوب العراق تحديدا، وجميع مناطق الثقل السكاني الشيعي عموما لا تصلح ان تكون ملاذا لتنظيم القاعدة وكل القوى المماثلة التي تسير في ركابه في النهاية. لذلك نرى ان مستوى الهجمات في الجنوب قد صار ضئيلا وتحت السيطرة، مقارنة مع المناطق الوسطى، منذ أكثر من عام، وتكرار الهجمات في الحلة مثلاً بين بسبب التداخل الديموغرافي.
كردي قوي
يشكل الشعور القومي الكردي الذي تنامي في ظروف الكفاح المسلح، حاجزا قويا بوجه تيارات العنف الآتية من خارج العراق. صحيح ان الأكثرية الكردية من المسلمين السنة لكن سنوات الكفاح أعطت الأسبقية للشعور القومي، وعزز ذلك الثقافة الحزبية الطويلة والقيادات المتحضرة وموجات الهجرة الى الخارج التي انعكست في النتيجة ايجابا على مستوى التفكير الكردي والأداء اليومي والتطور الحضري. واذا ربطنا هذه العناصر القوية، مع سبق المؤسسات الأمنية الكردية والقوات المسلحة لمرحلة انتشار القاعدة في العراق، تتعزز فكرة اعتبار كردستان العراق حاجزا قويا ضد تيارات العنف الخارجي أو ما يرتبط به من الداخل، وعلى الرغم من النهايات والحافات الديموغرافية المتداخلة فان قوة الاجهزة الامنية الكردية تحول دون انتشار العنف، حيث تتوافر لها القدرة على الحركة في الزمان والمكان المطلوبين.
سني هش
بين حالة التناقض العقائدي وسط جماعات العنف والجنوب، والتباين في الحسابات بين الارهاب وكردستان، تبقى المناطق العربية السنية هشة وملائمة لانتشار القاعدة وجماعات العنف وعصابات الاجرام لأسباب عدة أهمها:
- ضعف الأجهزة الامنية، وعدم مشاركة العرب السنة في الانتخابات الماضية، ووجود شعور بالاحباط من غياب دورهم الفعال والمؤثر في العملية السياسية.
كما ان تنظيم القاعدة فرض السيطرة على كثير من النشاطات المسلحة، وأسس خلايا خطيرة يخشاها المواطنون العاديون.
حلول ناقصة
تبقى الحلول ناقصة طالما لم تجر المعالجة بشكل جذري. ولا بد من تبني النشاطات السياسية في الوسط العربي السني وتشجيعها، بما في ذلك من خلال الدعم المالي، وتوزيع المساعدات للتخفيف من وطاة البطالة القاتلة، الى درجة تقترب من الضمان الاجتماعي المؤقت والفوري، وترجيح المسالك السلمية على اي نشاطات عسكرية، وينبغي ان تأخذ النشاطات العسكرية والامنية الأسبقية الاخيرة في سلم المعالجات، ومراعاة حقوق الانسان واضفاء الجانب القانوني على المداهمات والاعتقالات.
ووفقا لذلك يمكن منع تحول العراق الى قاعدة للارهاب.
التعليقات