الأحد: 16. 10. 2005
رسالة لندن:عادل درويش:
أثار التقرير الرسمي عن انتحار وزير الداخلية السوري, غازي كنعان, والذي يعتبر من بقية الحرس القديم, تساؤلات وتحليلات في الأوساط البريطانية, والتي عادة ما لا تتبع نظرية المؤامرة السائدة في الأذهان الشرق أوسطية, خاصة علامات الاستفهام التي رفعها توقيت الحادث, الذي يناسب دمشق تماما مع رفض الدوائر الخوض في مدي تقبلها للرواية الرسمية حول انتحار الرجل الذي كان الحاكم الفعلي للبنان كمسئول عن المخابرات العسكرية السورية في لبنان في الفترة من1982 حتي2002.
وتساءل دبلوماسي خدم في سوريا, عما اذا كان احد قد وضع المسدس علي مكتب كنعان خاصة وانه لا يعلم بوجود مايدفع الرجل, الذي قابله من قبل عدة مرات, الي الانتحار.
وتعتبر مصادر دبلوماسية ومخابراتية غربية هنا ان موت كنعان, سواء كان انتحارا أو غير ذلك له علاقة مباشرة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في فبراير من هذا العام, خاصة وأنه حتي بعد تركه لقيادة المخابرات السورية في لبنان, ظل يتحكم في سياستها حتي انسحاب الجيش السوري منها تحت ضغوط لبنانية شعبية ودولية.
ويتوقع نشر تقرير التحقيق في اغتيال الحريري من المفوضية الدولية المكونة من مائة من المحققين وخبراء تكنولوجيا المفرقعات والأدلة الشرعية, بقيادة القاضي الألماني ميليس يوم25 اكتوبر وتشير مصادر دبلوماسية الي ان التقرير سيحمل اطرافا سورية جزءا كبيرا من المسئولية.
وتقول المصادرالتي ترفض تأكيد أو نفي ما اذا كانت قد اطلعت علي اجزاء من التقرير, ان كنعان كان سيتحمل المسئولية, بسبب منصبه القيادي داخل النظام السوري, ومسئوليته المطلقة حتي وقت قريب في التحكم في شئون لبنان. واللغة الدبلوماسية البريطانية تستخدم تعبير نظام عند فتور العلاقة أو تدهورها او اعتبار لندن النظام ديكتاتوريا لا تفضل استمراره, بينما يصبح التعبير حكومة للحكومات المنتخبة شرعيا والبلدان الحليفة.
والنظرة التي يحملها البريطانيون للواء كنعان انه كان والي لبنان القوي لحساب دمشق حيث أصبحت سيطرته عليه مطلقة منذ عام1990. والدوائر البريطانية مقتنعة بلجوئه للعنف والابتزاز والرشاوي والصفقات المالية لتوجيه الأطراف اللبنانية المختلفة ضد بعضها البعض, وانه امر شخصيا بخطف وسجن وتعذيب واغتيال معارضي المصالح السورية في لبنان, أو الذين رفضوا التعامل بأساليبه ومنهم الشيخ حسن خالد, المفتي اللبناني عام1989.
وكان فريق المحققين قد استمع إلي أقوال وشهادات سبعة من كبار المسئولين السوريين الذين عملوا في لبنان, وبعض اعضاء الدائرة الداخلية لحزب البعث الحاكم وأقارب الرئيس الأسد, ومنهم اللواء كنعان, والذي تؤكد مصادر دبلوماسية أوروبية هنا انه كان قد دخل في تعاملات نفعية مع الحريري, حيث اتفق معه علي معارضة تمديد فترة رئاسة الجمهورية التي ارادتها دمشق واغضب المجتمع الدولي, وفرنسا التي ظلت, حتي خريف2004 تعارض السياسة الأمريكية.
والاعتقاد السائد انه في حالة تحميل كنعان المسئولية, كان سيفرض علي دمشق تسليمه للتحقيق, وربما كان سيغير اقواله بشكل لا ترغبه دمشق, او يتحدث عن مزيد من الأمور التي ترغب دمشق في إبقائها سرا, وبالتالي فإن اختفاءه يدفن معه أسرارا كثيرة حول العلاقة السورية اللبنانية.
وقالت مصادر أوروبية هنا أنها تعلم بإنكار كنعان امام لجنة التحقيق, ان تكون لسوريا يد في اغتيال الحريري بقوله انه كان صديقا للحريري الذي كان مصدر دخل للنظام السوري, وانه شخصيا تلقي منه شيكا بعشرة ملايين دولار; وان كانت مصادر اخري هنا تقول ان الامر كان ابتزازا اكثر منه صداقة حقيقية.
وقد مثل امام اللجنة رجل المخابرات القوي رستم غزالي, الذي خلف كنعان في منصبه الاستخباراتي في لبنان حتي خروج القوات السورية منه. وبعكس كنعان, تقول مصادر دبلوماسية اوروبية ان رستم اصطدم بالحريري عدة مرات وكان يعتبره مهددا للمصالح السورية وكانت مصادر اوروبية سربت معلومات حول اعتداء غزالي علي الحريري وكسر ذراعه, قبل اغتياله بعدة أشهر, بينما قال الأخير أنه تزحلق في البانيو.
وكانت دمشق قد رفضت مثول شخصيات اخري امام المحققين, منهم الرئيس بشار الأسد واللواء آصف شوكت زوج شقيقة الرئيس الوحيدة بشري الأسد, وهي شخصية قوية طموحة, تسميها الاستخبارات الغربية بملكة سوريا وأحيانا الليدي ماكبث لأنها الحاكم الفعلي لسوريا والمدبر لما يدور حسب المصادر الدبلوماسية.
ورفضت مصادر دبلوماسية واستخباراتية أوروبية أمس التعليق بالايجاب أو النفي علي معلومات سربتها مصادر معارضة سورية بأن كنعان أسر الي دبلوماسي أوروبي قبل أيام أنه قلق علي سلامته, لكنها أشارت الي علمها بطلب المحققين مقابلة مسئولين آخرين, وأنها طلبت من الأمم المتحدة الضغط علي سوريا للتعاون في هذا الشأن.
وكان كنعان قد قال لمحطة إذاعة لبنانية قبل إعلان وفاته بساعات إنها آخر مقابلة سيجريها, لكن مصادر دبلوماسية هنا رفضت تفسيرالصحفيين بأنه كان يخطط لقتل نفسه, وإنما قصد أنه كان يريد ان ينهي الكلام في موضوع لجنة التحقيق.
وتري المصادر أن إزاحة كنعان أصابت عصفورين بحجر, فمن ناحية يمكن التضحية به ككبش فداء اذا ما صدرالتقرير مشيرا بأصابع الاتهام الي سوريا, أو علي الاقل الي جهات سورية, حيث تستدل المصادر علي استنتاجها هذا بتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد لصحفيين أمريكيين ـ آخرها مع السي إن.إن في لقاء قبل موت كنعان وبث الأربعاء ردا علي اقتراحهم بأن جهات معينة داخل الاستخبارات السورية, تصرفت دون علمه في اغتيال الحريري, فوصف ذلك بأنها خيانة وطنية عظمي سيحاكم مرتكبها في سوريا أو يسلم الي الامم المتحدة لمحاكمته, مع ضمان سكوته الي الابد وعدم توريط شخصيات اخري. اما العصفور الآخر فهو ازالة مصدر تهديد لتفرد الاسد بالسلطة بعد ان ازاح الحرس القديم الذي التف حول ابيه باستثناء اثنين, اخطرهما كان كنعان, الرجل القوي, خاصة وان مسئولين امريكيين قالوا ما معناه انه يجب التعامل مع الكبار فقد حان وقت تولي الراشدين القيادة.
وتشير المصادر نفسها الي اشارات متناقضة صدرت عن واشنطن, ربما ادت الي توتر داخل الدوائر الحاكمة في دمشق فعندما جمدت واشنطن ارصدة غازي كنعان في يونيو من هذا العام, اعتبرت سوريا ذلك جزءا من تصعيد الضغوط الامريكية عليها, خاصة بعد اتهام امريكا لدمشق بدعم اعضاء حزب البعث السابق في العراق وتمويل العمليات العسكرية المسلحة ضد بغداد لكن صدرت عن واشنطن اشارات اخري اثارت قلق الرئيس الاسد حيث اتهمت واشنطن اللواء كنعان بدعم الارهاب وأشارت الي تقارير حول تسليم حزب الله في لبنان صواريخ نقلت في قافلة عسكرية كان كنعان في احدي عرباتها.
وتشيرمصادر دبلوماسية هنا الي ان تيارا في الخارجية الامريكية في واشنطن كان يريد فتح حوار مع كنعان, خاصة ان ابنه رجل الاعمال, يعرب كنعان, يقيم في واشنطن وله استثمارات واسعة وعلاقات قوية بالمسئولين الأمريكيين.
واعتبر هذا التيار اللواء كنعان رجلا قويا يمكن الاعتماد عليه لقيادة سوريا في المرحلة القادمة, ليتم التغيير الذي يرغبه المحافظون الجدد, دون تكرار خطأ العراق, بإبقاء النظام واجهزته متماسكة مع التأكيد علي التزام كنعان بالخط الأمريكي بالاصلاح وتحرير الاقتصاد واجراء انتخابات حقيقية. وتري هذه المصادر ان غياب كنعان عن المشهد السياسي, يعطل الخطط الأمريكية حتي قبل ان تقبل في الخارجية كسياسة يمكن تنفيذها في المستقبل القريب, وفي الوقت نفسه يطلق يد بشار الأسد دون تحد حقيقي.
التعليقات